تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > أحمد الجمال > الخطاب الرئاسى فى مولد النبى.. كيف؟

الخطاب الرئاسى فى مولد النبى.. كيف؟

يستطيع المراقب المهتم بالشأن المصرى العام، والمهموم بحاضر الوطن ومستقبله، وفى القلب منهما قضية بناء الإنسان؛ أن يرصد مضامين استراتيجية هذا البناء فى كل مرة يتحدث فيها الرئيس السيسى فى الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، إضافة لأن تلك الخطابات الرئاسية عبر السنين الفائتة تعد- فى نظري- مؤشرًا مهمًا لواقع العلاقة بين المؤسسة الدعوية «الدينية» وبين المؤسسات الأخرى فى الدولة، خاصة المؤسسات ذات الصلة الوثيقة بالمهمة.

 

وبداية أستأذن فى أن أقتبس هذا النص من الخطاب الذى ألقاه الرئيس منذ أيام قليلة: «إن قول رسولنا الكريم: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، لهو دعوة لنا جميعًا أن نتحلى بالأخلاق الحميدة فى جميع مجالات حياتنا، منطلقين فى هذا الصدد إلى مزيد من الجهود فى بناء الإنسان بناء أخلاقيًا وعلميًا وثقافيًا ومعرفيًا ونوعيًا، من خلال استخدام جميع الوسائل الحديثة والأساليب المتطورة التى تتسق مع طبيعة العصر ومستجداته، لينطلق الإنسان فى تعامله مع غيره من خلال مبادئ سامية يعمها الخير والنفع والرفق والشفقة والرحمة بجميع الناس، لتعيش كل الشعوب فى أجواء من السلام والأمان، ويكون منهجها عند الاختلاف قائمًا على أساس من الحوار والإقناع دون إكراه أو إساءة».

وحسب الأهرام عدد الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 فإن الرئيس اختتم كلمته مؤكدا «أننا فى حاجة ماسة لمضاعفة الجهود التى تقوم بها جميع مؤسسات الدولة، خاصة المؤسسات الدينية فى مجالات بناء الإنسان، وترسيخ القيم، ونشر الفكر الوسطى المستنير، ومواجهة الأفكار المتطرفة والهدامة».

انتهى الاقتباس، وأبدأ بملاحظة أن الحديث الرئاسى الذى ألقى فى مناسبة إسلامية توجه إلى عامة المؤسسات الدينية فى الوطن، دون تفرقة بين إسلامية وبين مسيحية.. ولا بين رسمية- كالأزهر والأوقاف والكنيسة بمختلف مذاهبها- وبين أخرى أهلية على الناحيتين كالجمعيات الشرعية السلفية والطرق الصوفية والشبان المسلمين والمسيحيين، ومدارس الأحد والهيئات ذات الصبغة الطائفية مثل الطائفة الإنجيلية وغيرها، وأعتقد أن تلك الجهات الرسمية والأهلية مطالبة فى المرحلة الحالية والمستقبلية بأن تنتقل من مرحلة التعاون الاحتفالي، الذى يحدث فى مناسبة أو أخري، وفيه تتعانق العمائم البيضاء مع السوداء، وتتشابك الأيدى مرفوعة بالمحبة، إلى التعاون البرنامجى المخطط، الذى يهدف إلى نزع كل ميراث ومظاهر الفهم الخاطئ، والاحتقان الكامن، وترسيخ أن الإيمان يجمعنا لأن محله القلب.

وهنا سأشير فى سياق هذا المقال لتجربة عشتها وشاركت فيها عدة مرات فى سنوات متتالية ومع أصدقاء وإخوة من المفكرين والمثقفين والمهتمين بسلامة الوطن.

إننى لست بصدد تقديم حاشية شارحة للنص الرئاسي، بقدر ما أنا بصدد المطالبة ببرامج عمل، تتحول بها المضامين التى ركز عليها الرئيس إلى خطوات على أرض الواقع فى مراحل التعليم العام والجامعي، وفى الأندية الرياضية والاجتماعية، وفى الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية، وفى قصور الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة، وخطط النشر فى الهيئة العامة للكتاب والصحف.. ولعلى هنا أؤكد أن هذه البرامج لن تكون بحال من الأحوال خطابًا دعويًا دينيًا، يعتمد على المرجعية النصية والفقهية واللاهوتية، وهذا لا ينفى أنه إذا دعا سياق أى جزئية فى تلك البرامج إلى الاستعانة بالنصوص على الناحيتين المسيحية والإسلامية، والاستعانة بالاجتهادات والشروحات التى تصب فى عملية البناء العصرى التنويرى للإنسان؛ فلا بأس على الإطلاق، لأن ذلك كله جزء من الثقافة بمفهومها العام الأكثر شمولًا، ولا يمكن فصل ذلك عن الدستور وعن أن المواطنة هى الأصل فى العلاقات الراسية بين السلطة وبين المجتمع، وفى العلاقات الأفقية بين الفئات والطوائف والجماعات.

ولقد عشت وشاركت خلال تسعينيات القرن الماضى فى تجربة أعتقد أنها كانت متميزة، حيث الميزة لا تقتضى الأفضلية، وقد شاركت فيها أسقفية الشباب وأسقفية الخدمات الاجتماعية من الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، وأيضًا شاركت الكنيسة الكاثوليكية عبر لجنة العدالة والسلام، وانعقدت اللقاءات فى المقار الكنسية بمنطقة أبو تلات الشاطئية، إذ كان يحضر أكثر من مائتى شاب وشابة من مستوى الثانوية العامة والجامعة وحديثى التخرج، وتنوع المحاضرون وكان من بينهم: الدكتور أحمد عبد الله رزة وجورج عجايبى وجورج إسحق وصلاح عبد المتعال، رحمهم الله، ومنهم أيضا الاستاذ نبيل عبد الفتاح ونبيل مرقس والدكتورة إيناس عوض الله وسمير مرقس، والأستاذة فيفيان فؤاد وألفى شند أطال الله عمرهم وكاتب هذه السطور وغيرهم، وكانت المحاضرات تستمر عدة أيام وتشتمل الأبعاد الحضارية والثقافية والتاريخية فى التكوين المصرى عبر العصور، والأبعاد المشتركة الراسخة فى الوجدان المصرى العام، وقضايا سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية مسكوت عنها وتشغل عقل المواطن المصرى المسيحي، خاصة تلك الشريحة العمرية.

وهنا أذكر أنه ذات دورة من دورات ذلك البرنامج أن كانت محاضرة لأحد الذين يعتمدون المرجعية التدينية الإسلامية فى برنامج الحزب السياسى الذى ينتمى إليه، وكان موضوعه عن المشروع الحضارى الإسلامي، وفور أن انتهى وبدأت الأسئلة، جاءه سؤال من إحدى الحاضرات عن مكان ودور المسيحيين المصريين فى ذلك المشروع الذى يتحدث عنه، وأتت إجابته حادة، يؤصل فيها لأن دورهم يقتصر على المشاركة فى تنفيذ المشروعات وليس لهم دخل بوضع الخطط والاستراتيجيات، وكان رد الفعل من الحضور- وكلهم من الشباب المصرى المسيحي- ملتهبًا محتجًا صاخبًا، ثم تصادف أن جاء دورى فى المحاضرة التالية حيث كان الحضور يرنمون ترنيمات كنسية بين كل محاضرة وأخري، وفوجئوا بأننى أردد معهم ترنيماتهم وأننى أحفظ بعض ما فى كتاب «الخولاجي» الذى يضم ترنيمات باللغة القبطية والعربية، ولكن المفاجأة الأكبر والأقوى التى سالت لها دموع الجميع؛ هى أنهم أرادوا ان يعبروا عن امتنانهم للمحاضر المسلم الذى ردد معهم، وجاء الصوت الجماعى من أكثر من مائتى شابة وشاب ينشدون «طلع البدر علينا من ثنيات الوداع.. وجب الشكر علينا ما دعا لله داع.. أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع».

نحن أمام مهمة وطنية حتمية ثقيلة أعتقد أن وزارة الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسى سيكون عليها العبء الأكبر فيها.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية