تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الثالث من يوليو
قل ما شئت من عبارات القلق والترقب والرجاء، لتعبر عما كنا فيه يوم الثالث من يوليو عام 2013، ذلك اليوم المصيرى فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر، حيث بقيت كل الاحتمالات مفتوحة، وبقى الذين لا يخفون أن الشريعة التى يعتنقونها تبيح لهم التدمير والإحراق والقتل، لأن سبيل الله عندهم لا يعرف حكمة ولا موعظة حسنة.
كنا نترقب ونقف على أظافر أقدامنا بعد أن شاركنا فى التعبير عن إرادة الشعب فى التغيير، وبقينا فى شوارع وميادين المحروسة، وجاء الاصطفاف الوطنى الهائل مع جيش مصر، وقال الأزهر والكنيسة كلمتهما على لسان الإمام الأكبر وقداسة البابا، ومعهما ممثلون عن أطياف فئات الشعب.
وأنصتنا للفريق أول عبدالفتاح السيسى، وهو يلقى بيان القوات المسلحة، المتضمن نقاطًا عديدة، كان منها تعطيل العمل بالدستور، وعزل مرسى، وتكليف رئيس المحكمة الدستورية العليا بتولى الرئاسة المؤقتة، وحل البرلمان.
وتوالت الأحداث وبدأ محترفو التدمير التنفيذ الواسع لتهديداتهم، وكان ما جرى فى رابعة العدوية التى استلهموا من «رابعة» الشعار الذى عمدوا إلى رفعه وتعميمه داخليًا وخارجيًا.. أربعة أصابع من كف اليد اليمنى مرفوعة فيما إبهام مائل إلى راحة الكف.
وآنذاك كتبت عن أصل الشعار، بعدما نقّبت فى أحداث الفتنة الكبرى التى قتل فيها الصحابى الخليفة عثمان، وشهدت مقتل الإمام الجليل الخليفة على بن أبى طالب، كرّم الله وجهه.. ووجدت أن الذين أرادوا الوثوب للحكم بعصبية أموية استغلوا حادث مصرع عثمان، وخاصة عندما حاولت زوجته نائلة صد المهاجمين، فبترت أصابع يدها ليحملها الأمويون هى وقميص عثمان ويرفعونهما فى مواجهة الإمام علي- كرّم الله وجهه- وكانت «أصابع نائلة» هى الشعار الذى أريد به الباطل.. وتلك قصة طويلة.
ويبدو أن الإخوان الإرهابيين خبراء فى اتخاذ شعارات يستقونها من أردأ وأسوأ فترات التاريخ، سواء كان تاريخًا إسلاميًا أو تاريخًا عالميًا، إذ إنهم قبل اتخاذ شعار «أصابع نائلة» اتخذوا شعار السيفين المتقاطعين، وقد ظللت أنبش وأبحث لفترة طويلة حتى توصلت لأصله، وكتبت ذلك عدة مرات، ولا بأس أن أذكر بعض ما توصلت له، ولو من باب التذكير، حيث وجدت أن ذلك الشعار يعود للعصور الوسطى الأوروبية، التى شاع أنها عصور الظلام، وكان أوج صراعاتها هو الصراع بين بعض باباوات الكنيسة آنذاك وبين بعض الأباطرة، إذ أصر الباباوات على أنهم من حقهم الجمع بين السلطتين الروحية والزمنية، وليكونوا هم وحدهم من يحكمون المجتمع والدولة، ولا سبيل لأى آخر من تولى هذا الحكم، وذهبوا إلى أنهم يستمدون شرعيتهم من نظرية «السيفين»، استنادًا لبعض نصوص إنجيل لوقا.
وفى هذا السياق اصطدم البابا بونيفاس الثامن بالإمبراطور فيليب الجميل، وكتب بونيفاس بيانًا مطولًا بعنوان «يونام سانكتام»، يؤصّل فيه لتلك النظرية..
ولذلك بقى الشعار مستمرًا، ويعنى أن السيد المسيح - له المجد - أعطى للقديس بطرس «الصخرة» سيفين أحدهما يرمز للسلطة الروحية الدينية، والآخر يرمز للسلطة الزمنية المدنية وبدوره سلّم بطرس السيفين لمن تلاه من باباوات روما!.
وفى العصر الحديث، أى فى القرن العشرين، ظهر الشعار على علم الإخوان وقبلهم أعلام أخرى..
وتلك قصة طويلة! جوهرها أن الإخوان الإرهابيين بقوا مصممين على أن يمسكوا بخناق الأمة ويحكموها باسم الدين وباسم الدنيا!
وأن هذا السياق يكشف كيف أن الثالث من يوليو، ومن قبله الثلاثون من يونيو، هما فى جوهرهما تعبير حقيقى أصيل عن إرادة شعبية واعية أدركت حجم وعمق ما ينتظر الأمة من ظلام إذا حكمها من يزعم لنفسه تفويضًا إلهيًا، ويفصّل لنفسه شريعة وفقهًا على مقاسه، ويعطى لنفسه أيضًا الحق فى الفهم المتفرد للسياسة والاقتصاد وغيرهما.
وكان أن تقدمت القوات المسلحة المصرية، وقائدها عبدالفتاح السيسى، لتحمل مسئولية إنقاذ مصر، وتوجيه دفة سفنها نحو الضوء الذى هو البناء والتنمية والطموح، لتكون مصر فى حجمها ودورها المناسبين لمكانتها وتاريخها وحضارتها.. ثم كفالة أن تكون المواطنة هى وحدها أساس وحدة النسيج المجتمعى بكل أطيافه الفئوية والدينية والمذهبية.
ورغم الصعاب الهائلة داخليًا، والأكثر صعوبة إقليميًا ودوليًا؛ مضت مصر لتبنى وتنجز وتستجيب للتحديات المختلفة، ولم يدع قائدها الكمال لنفسه ولا للحكومة، بل بقى دائمًا يؤكد أنه لن يستطيع بناء مصر وتحقيق رفاهيتها وحده، ولا بد من أن يتحمل الجميع مسئوليتهم.. ويؤكد أن ما أنجز فى ظل تلك الظروف الصعبة ليس هو كل الطريق وإنما خطوة يجب أن تنتظم بعدها خطوات أكثر ثباتًا.
إن البعض يراهن على ما يظن أنه ضعف فى ذاكرة الشعوب، ويحاول أن يستغل المصاعب لوضع العصى فى العجلات، ولدق الأسافين بين الشعب وجيشه وقيادته، ولكن تاريخ المحروسة يثبت دومًا أنه شعب يستعصى على كل محاولات تزييف وعيه.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية