تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

أستكمل ما بدأته فى مقال الأسبوع الفائت عن التطبيع، حيث جددت نقابة الصحفيين قرارها برفض التطبيع مع الصهاينة خلال انعقاد جمعيتها العمومية منذ أسابيع، وأبدى بعض كتاب الرأى اعتراضهم على القرار، مستندين إلى أسباب متعددة، وبذلك فتح الباب مجددًا لمناقشة قضية قتلت – كما يقولون– نقاشًا، ووضحت أبعادها بين من ابتدعوا التطبيع وسعوا إليه، وبين من رفضوه وتشددوا فى مواقفهم، حتى وصل الأمر أحيانًا إلى عقد اقتران بين الخيانة وبين التطبيع، ولولا أن بعض من أحيوا الدعوة له وتحمسوا لانتقاد قرار الجمعية العمومية هم ممن أعتز بمعرفتى لهم لما انعطفت إلى مناقشة الأمر، لأننى سبق وكنت من الذين قتلوه مناقشة فى الصحافة وفى الفضائيات وفى الندوات والمؤتمرات، وكان من بين من ناقشتهم قامات مثل لطفى الخولى وصلاح بسيونى وعلى سالم ومحمد سيد أحمد، رحمهم الله، وقامات أخرى ما زالوا على قيد الحياة.

 

وأود أن أؤكد أن رفض التطبيع لا يعني- عندى على الأقل- دق طبول الحرب والدخول فى المعارك المسلحة، ولا يعنى عندى أيضًا تجريم من اقتنعوا به واتخذوه موقفًا سياسيًا لأسباب تخصهم، ثم أؤكد أن الموقف من الصهاينة متصل بالموقف من الاستعمار فى أبشع صوره الاستيطانية العنصرية الاستئصالية المتعصبة، أى أنه موقف إنسانى متصل بصميم وجدان الإنسانية على مر العصور!

وما فعله الصهاينة ويفعلونه الآن تحديدًا هو نموذج حى متجسد وفاضح وفاحش للاستعمار العنصرى الاستيطانى المتعصب، ولا أدرى كيف ولماذا يتحمل إنسان، ـ أكرر إنسان ـ أن يمد يده وربما يفتح ذراعيه وفمه ليصافح ويحتضن ويتناول مشروبًا وطعامًا ويدير حوارًا مع آخر يعلن على الملأ أنه عنصرى واستيطانى واستئصالى، وأنه يستخدم القوة المفرطة ويفتح السجون لمن يمارس ضدهم العنصرية والاستيطان الاستئصالى، متحديًا قرارات الشرعية الدولية وقواعد العدالة التى كفلها القانون الطبيعى! فما البال أن الذى يقبل ذلك لا يكتفى بنفسه بل يدعو غيره لمشاركته، وإذا رفض غيره انهال عليه انتقادًا وتسفيهًا!

ما علينا، لأن عندى أمرًا آخر أود أن أطرحه فى السياق نفسه، وهو: لماذا لا يتكرم ويتفضل الذين أسسوا لدعوة التطبيع مع الصهاينة وفلسفوها وتحركوا لتنفيذها ونفذوها، ونظموا الندوات والمؤتمرات وكتبوا المقالات والكتب لتأصليها وتمكينها، وهاجموا من لم ينضموا إليهم بتقديم كشف حساب للشعب المصرى عن محصلة جهدهم الميمون، يتضمن ما تكبدوه من جهد ونفقات ونسبة ما استطاعوا أن يكسبوه من الرأى العام الصهيونى داخل الدولة الصهيونية وخارجها، بما فى ذلك اللوبيات الصهيونية فى أوروبا وأمريكا، وكم مفكرًا ومثقفًا وسياسيًا ومحاربًا استقطبوه لصالح أفكارهم من المعسكر الصهيونى المتشدد، ومدى تأثير حركتهم وجهودهم فى تغيير أفكار الحركة الصهيونية وأهدافها وأساليبها، وأيضًا مدى ما كسبوه من مغانم مادية ومعنوية، أى برستيج، صاروا بها مؤثرين فى الدوائر الفكرية والثقافية والسياسية والاستراتيجية التى تسيطر عليها جماعات الضغط الصهيونية واليهودية فى العالم؟ أناشدهم أن يقدموا للأمة كشف الحساب هذا كى يلتقم أمثالى حجرًا ولا ينطقون بعد ذلك!

قولوا لنا تفسيرًا لاتجاه السياسة الصهيونية نحو التشدد الأكثر تطرفًا، رغم الاتساع الهائل للانتشار التطبيعى فى الخريطة العربية، وفتح كل المجالات لرعايا الدولة الصهيونية فى مجتمعات عربية كانت أبعد ما تكون عن هذا الأمر، لأنها على الأقل ليست من دول الجوار المهددة بالتوسع العسكرى الإسرائيلي.

ثم إننى أتذكر يوما من سنين بعيدة نسبيًا كنا قد انتهينا من أمسية تأبين الراحل الزميل محمد السيد سعيد، ودار حوار بين الدكتور عبدالمنعم سعيد وبينى على سلالم النقابة، حيث تجمعنى به علاقة فريدة ملؤها الود والألفة والضحك على المستوى الثنائى الشخصى، وملؤها التنافر فى المستوى السياسى، وفيها من هذا ومن ذاك على مستوى فهم المرحلة الحالية من حياتنا السياسية، إذ نتفق أكثر مما نختلف، وقد طرحت عليه آنذاك أن نستفيد من موقعه على رأس مؤسسة الأهرام، كى يجمعنا على مائدة حوار محددة ومغلقة نناقش فيها المسائل المشتعلة بين المطبعين وبين الرافضين، وتكون القاعدة هى أن المعارض يشد أزر المفاوض، لأن كل الصراعات لا بد أن تشهد تفاوضًا، وإذا اعتبرنا المطبعين هم المفاوضين فإننا كمعارضين نشد أزرهم لأننا ورقة قوة يستندون إليها وهم يفاوضون الطرف الآخر الصهيونى، وأن نعتمد خريطة لتقسيم العمل فى الجماعة الوطنية وفق خطة مدروسة تحدد لكل فريق دوره وحدوده وسقفه، كى لا يتبدد الجهد ويضيع الوقت فى اشتباكات لا ضرورة لها.

وللأسف لم يتم تحقيق هذا الذى طلبته، وأكرر الدعوة إليه.. قدموا كشف حساب للأمة بجهودكم التطبيعية، وتعالوا إلى خطة وطنية لتقسيم العمل وفق أهداف محددة.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية