تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الأهرام وإحياء دور ريادى

يوم الإثنين 5 أغسطس 1876 صدر العدد الأول من الأهرام، بعد أن تأسس يوم 27 ديسمبر 1875، وعليه فإن مائة وثمانية وأربعين عامًا وثلاثة أيام شهدت ميلادًا يوميًا لكائن يولد مكتملًا، أى مستوفيًا للمواصفات التى يجب أن يتمتع بها ذلك النوع من المواليد.

ولا أبالغ إذا قلت، وعن تجربة، كواحد من أبناء هذه المهنة ناله شرف المساهمة فى تأسيس تجارب صحفية، إن كل سطر فى صفحات الصحيفة يحوى عصارة عقول ونور عيون وبصمة أنامل عشرات من المحررين والفنيين والإداريين، ولا أتجاوز إذا قلت أيضًا إن المسيرة التاريخية الطويلة للأهرام كان فيها قمم صاعدة ومنحنيات نازلة، غير أنه استقر كثيرًا فى القمم على قاعدة مفادها أن الوصول للقمة سهل والأصعب هو البقاء فيها. فى المقابل فإن الصحيفة – أى صحيفة – ككائن حى يمكن أن يتعرض لما أسميه نقص المناعة المهنية، وتبدو الأعراض عليه كى لا تخفى على العين البصيرة.

 

من المؤكد أن الأهرام، منذ أضحى مؤسسة عملاقة تعددت إصداراتها اليومية والأسبوعية والشهرية والفصلية والسنوية، وتعددت أعمالها التجارية والخدمية، فإن من عوامل قوتها المستمرة أن ما ينجزه أى إصدار من الإصدارات يحسب للمؤسسة ككل.

فى هذا السياق أود أن أشير إلى ما شهده الأهرام اليومى الصباحى من تطور فى الإخراج الصحفى، خاصة الصفحة الأولى، وفى صفحات أخرى مثل ملحق الجمعة الأسبوعى، إضافة إلى توسيع دائرة الاهتمام بالشئون العربية والدولية وأيضًا الشئون الاقتصادية، والحرص على أن تبقى صفحات الرأى وأعمدته نموذجًا غير متكرر فى صحافتنا.

ثم أود أن أشير إلى أنه كان للأهرام سبق مميز فى مجال الرأى، تمثّل فى الندوة التى أسسها وأدارها لفترة طويلة الصديق الراحل الأستاذ محمود مراد، رحمة الله عليه، وكانت دورية تناقش أهم القضايا والموضوعات المطروحة على أجندة العقل المصرى، وربما كان المثلب الوحيد فيها هو أنها اتسعت- نظرًا لشهرتها- فكان المدعوون والمتحدثون من الكثرة بحيث لم تتسع مساحة نشر الندوة لكل ما طرح، ثم توقفت الندوة لظروف لا أعرفها!

إلى أن حدث وأقدمت الأهرام العربى على عقد أول صالون شهرى أواخر يوليو الفائت، لتحيى بذلك تراثًا أهراميًا أصيلًا، كان للأهرام المؤسسة فضل ريادته، سواء بندوة «محمود مراد» أو من قبلها ندوة مجلة الطليعة التى كانت منبرًا أهراميًا لليسار المصرى وترأس تحريرها المفكر الماركسى الراحل الأستاذ لطفى الخولي.

انعقد الصالون ليجمع نخبة محددة العدد من المثقفين والبرلمانيين والكتاب المصريين، وضمنهم رئيس مجلس إدارة الأهرام، ورئيس ومدراء تحرير المجلة، مع مسئول مرموق هو المستشار محمود فوزى، وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسى، وقد توقف الجميع عند مهمة التواصل السياسى، والفرق بين التواصل والاتصال، وبناء على شرح الوزير لذلك، انطلقت مكنونات عقول ووجدان المشاركين بغير سقف، سوى آداب الحوار وأصول المنطق واحترام ضوابط الدستور والقانون.

معلوم أننى لست بصدد عرض لكل ما جاء فى اللقاء، لأنه سينشر، أو نشر بعضه فى الأهرام العربى بقدر ما أنا بصدد أطروحة أتمنى أن يتم تأصيلها وتأطيرها، والانطلاق بها فى مسار المرحلة المقبلة فى الجمهورية الجديدة، هى الأطروحة القديمة المتجددة المعنية بالعلاقة بين المثقف وبين السلطة.. والفرق بين الالتزام وبين الإلزام.. وبين أن أعمل معك وليس عندك!

للأمانة فإننا إذا اعتبرنا أن ما شهدته الغرفة الشهيرة رقم 518 بالمبنى الأهرامى القديم نسبيًا، لأن هناك مبنى أقدم، من حوار مفتوح بين أول وزير يكلف بحقيبة للتواصل السياسى، وبين نخبة من المثقفين، متعددى المشارب الفكرية والتوجهات السياسية؛ اعتبرناه المجسّ أو عينة الاختبار الأولى لفرضية أن ثمة جدية حقيقية فى مهمة التواصل السياسى، فإنها عينة مبشرة لا تقع مسئولية تطويرها، والتقدم بها إلى الآفاق المرجوة فى وطن حر على الحكم فقط، وإنما على كل الساعين لحرية وعزة الوطن، بحيث تتخلق آليات للعمل على الإنجاز فى كل مجال، يستلزم من القائمين على شأنه أن يتمتعوا بسمات أصحاب المهام الرسالية. لا أريد أن أستطرد بضرب أمثلة حول نماذج بشرية جماعية وفردية، قاموا بمهام رسالية، وأكتفى بأن العينة كانت بينة، وفى اتجاه إيجابي.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية