تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
فى محبة لطفى لبيب
الكتابة عمن نحبهم ورطة كبيرة، وخصوصا اذا كانوا نجوما يستوقفهم محبوهم فى الشارع لالتقاط الصور معهم، ومنذ سنوات طويلة أحاول الكتابة عن الفنان لطفى لبيب ولم أفلح، لأنه بالنسبة لى ليس الفنان الكبير صاحب الطلة الحلوة والابتسامة الرائقة فقط، ولكنه لأنه صديقى الذى عرفنى عليه الراحل الكبير خيرى شلبى فى صحراء المماليك قبل أربعين عاما، ولم نفترق من ساعتها.
وشهدنا معا كل ما حدث على المستوى الشخصى والعام، وارتبط وجوده فى حياتى بالبهجة والنبل والكرم، أيامها كان عائدا من الإمارات يبحث عن موضع قدم فى مهنة التمثيل المزدحمة بالنجوم والعلاقات والحسابات، لم تكن أحواله فى أحسن حال، ولكنه متفائل تاريخى ويثق فى كرم الله،
كان يواجه صعوبة الأيام بالسخرية وبنشر البهجة أيضا، وكنت حين ألمح غلالة حزن على ملامحه وصوته أستدرجه الى بيتى لسماع مولانا الشيخ مصطفى إسماعيل، فيروق ويرق ويصفو، رغم معاناته فى تلك الفترة ومعاناتى أيضا إلا أننا كنا نهرب الى نعيم الصداقات العالية، أحمد فؤاد نجم وخيرى شلبى ومحسن حلمى (الصديق الأعز) وسعيد صالح وسيد حجاب وعهدى صادق وإسماعيل محمود ومحمود مسعود ومحمد متولى ومحمد حسين عثمان ومحمد كامل ومسعد إسماعيل وسعيد طرابيك رحمة الله عليهم، ومحمود حميدة وأحمد عبدالعزيز وعلى الحجار وسعيد الصالح وحسن شرشر ورشدى الشامى ورؤوف الدمنهورى وسمير بكير وعشرات غيرهم متعهم الله بالصحة.
ولد لطفى عام 1947 فى مدينة «ببا» بمحافظة بنى سويف، حصل على ليسانس الآداب من جامعة الإسكندرية، وبعدها التحق بالمعهد العالى للفنون المسرحية وتخرج فيه عام 1970، نال لطفى شرف القتال ضمن صفوف الجيش المصرى فى حرب أكتوبر المجيدة، الذى خدم فيه لمدة ست سنوات، ودون تجربته العظيمة هذه فى كتاب «الكتيبة 26» والذى تم اعتماده من الجهات المختصة وما زال يحلم بتحويله الى عمل سينمائى،
ارتبط بالمسرح عشقه الكبير، والمحظوظون هم من شاهدوا أدواره فى ليلة من ألف ليلة، والملك هو الملك، وعريس لبنت السلطان وغيرها من الأدوار التى كانت تحمل طموحات الفن المصرى فى الثمانينيات والتسعينيات، أدواره الصغيرة هنا وهناك فى السينما والدراما التليفزيونية صنعت محبة من نوع خاص بينه وبين جمهوره، لأنك أمام شخص يشبه أصدقاءك وجيرانك وأقاربك، شخص «سايبها لله» ولم ينتظر نجومية صارخة، شخص يشبه «راضى» فى فيلم عسل أسود، أو الصديق الوفى فى محطة مصر، الى أن اختاره الأستاذ عادل إمام ليمثل شخصية سفير الكيان الصهيونى فى مصر سنة 2005، وهو الدور الذى كان قدم السعد على «أبو البنات»، وبفضله تحول الى تميمة الحظ لجيل كامل من الشباب (أيام كانوا شبابا) مثل محمد هنيدى وكريم عبدالعزيز وأحمد حلمى وياسمين عبدالعزيز وغيرهم، قدم لطفى ما يزيد على 380 عملا، لم يكن البطل الأول، ولكنه كان بطلا للبسطاء الذين يبحثون عمن يشبههم
فى 2019 تعرض لوعكة صحية تسببت فى ابتعاده عن العمل، وكانت بسبب ضغط العمل، ولكنه ظل متقد الذهن، يستقبل أصدقاءه ويذهب اليهم ليوزع البهجة والحكايات، تشعر مع لطفى أنه صديق كل الناس، يستأنف الحوار مع من يقابلهم كأنهم عشرة عمر، هو من القلائل الذين نجوا من أمراض النجومية بسبب الطاقة الروحية التى يمتلكها، وأعرف حكايات عن الخير الذى يفعله مع كثيرين ضاقت بهم الدنيا فى الوسط الفنى والثقافى، يفعل ذلك فى السر، بروح متصوف طيب القلب، من الصعب الإحاطة بمنجزه الفنى العريض، ولكن توجد جوانب فى شخصيته تستحق التوقف..
فهو من القلائل الذين يسعى النصابون الى صداقته لا تعرف لماذا؟، وهو خبير فى اصطيادهم، وكتب عنهم فى جريدة التجمع التى كانت تصدر فى الإسكندرية سلسلة جميلة جدا تحمل عنوان «مذكرات نصاب»، وأنا تعرفت على معظمهم أيضا، أحدهم كان شخصا أسطوريا عاش بيننا فترة من العمر، عرف نفسه بأنه رجل أعمال يملك غابات فى استراليا، فقصده لطفى فى «طلبية» خشب، فقال له بجدية «اذهب واقطع مليونا أو مليونى متر براحتك»، بعد يومين شاهد لطفى فى أحداث 24 ساعة حرائق مروعة فى غابات استراليا، فأيقظ صاحبنا من نومه ليعلمه بالخبر ويواسيه، فكان رد رجل الأعمال بصوته المتهدج الحزين «دى من أسبوع يا لطفى»!، بعد ساعة أو يزيد اتصل لطفى به ليقول له « أنا عندى تاجر فحم ممكن يشيل»!، هذا الصديق قتل بعد ذلك بسنوات بسبب كذبة، سمعه صنايعية يعملون عنده يقول لشخص على الهاتف أن سيف الملك عبدالعزيز موجود عنده فى البيت ولن يبيعه بأقل من مليونى دولار!،
لطفى هو واحد من «المتكلمة» الكبار، ويمتلك مهارات مرعبة فى تثبيت المستمعين، وهو غالبا ما يكون مسلحا بالمعلومات والأرقام وخفة الظل والحيل الطفولية التى تجبرك على عدم منافسته، وكانت أمتع اللحظات هى التى يتبارى فيها لطفى والأستاذ خيرى شلبى ونبيل عبد الفتاح على الإمساك بالحديدة، واذا انتزع أحدهم مساحة أكبر، يقول جملته الشهيرة، «اسمح لى أن أكلمك نصف ساعة فقط عن فضيلة الإصغاء»!
لطفى لبيب هو البهجة بعينها، والصديق العظيم الذى تطمئن لوجوده، والفنان الكبير الذى اتفق الجميع على محبته، والذى واجه الصعاب بابتسامته الآسرة، قبل سنوات كان بيننا موعد ولم يأت، اتصلت به فقال إنه ذهب الى الإسكندرية، لأن والدته مريضة جدا، سألته بنبرة قلق «عندها إيه؟» أجاب: عندها 94 سنة! .
ألف سلامة عليك يا صديقى الحبيب، يا أبا كاتيا وكارمن وكريستين.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية