تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > إبراهيم داود > فى محبة الدكتور محمد عبد المطلب

فى محبة الدكتور محمد عبد المطلب

الدكتور محمد عبد المطلب متعه الله بالصحة والعافية حالة فريدة فى الثقافة المصرية، ليس فقط بسبب منجزه النقدى العريض والمتنوع والذى تشهد عليه كتبه الـ35، ولا بسبب مكانته الأكاديمية كأستاذ فى جامعة عين شمس تربت على يديه أجيال، ولكن بسبب رحابة صدره ونقائه وحبه للحياة ودفاعه عن الثقافة المصرية ودورها، هو الرجل الذى كان يتمنى أن يصبح شاعرا، وحين عجز عن قوله، اتجه الى نقده ، وقدم 14 كتابا عنه، قديمه وحديثه، كتب فى أصوله التراثية وفى تحولاته الجديدة، وقدم أول كتاب عن قصيدة النثر هو «النص المشكل» بعد أن كنا لا نقرأ عنها إلا من خلال ترجمات سوزان بيرنار وغيرها، وكتب أيضا عن شعر العامية، مشكلته الوحيدة كما قال الناقد السورى الكبير كمال أبو ديب فى اسمه، لأنه لو كان اسمه «جون» أو «أوستن» لكان له شأن عظيم فى العالم، أراد إقناع الناس بأن التراث به ما يصلح لمواجهة التحديات الجديدة فى الأدب والنقد، لم تعجبه مقولة إن «البلاغة علم قد احترق ولم يعد صالحا»، وبعد رحلة مع المنجز الغربى فى نظريات ومناهج الحداثة، كتب كتابه «بناء الأسلوب فى شعر الحداثة»، الذى طبق فيه علم البديع ـ الذى يقول عنه المتحذلقون أنه علم متخلف ـ على الشعر الحديث، ليثبت أن كثيرا من مصطلحات الحداثة ليست إلا تعديلا للمصطلح العربى القديم، النقد بالنسبة له هو مناقشة الأمر فى ضوء شرطه التاريخي، لأن معظم مقولات النقد الجديد تغفل هذا الشرط، ويتصور البعض أن النقاد القدامى يجب أن يقولوا ما يقولونه هم الآن، فهو يرى أن الأسلوبية عند الجرجانى أدق من الأسلوبية الوافدة، وأن البنيوية التى افتخروا بها وروج لها أبناء جيله ماتت سنة 1968، لأنها حولت النص الأدبى الى نص لقيط بلا آباء وبلا أبناء، ولم تنجح التفكيكية أيضا لأنها نظرية فلسفية وليست نقدية. مع بداية التسعينيات اتجه صاحب الـ 87 عاما الى النقد الثقافي، لأنه اكتشف أن أول من استخدم كلمة ثقافة فى عالم الإبداع هو ابن سلام الجحمى فى كتابه «طبقات فحول الشعراء» ثم أتى ابن طبطابا فى القرن الثالث الهجرى ليقول جملة تكاد تكون دستور الثقافة «اذا وردت عليك صورة لم تفهمها، ومعنى لم تستوعبه، فنقر خلفه، فقد تجد خبيئة تفسره لك»، ولكن خطورة النقد الثقافى أنه عند تحليل نص ثقافى والحكم عليه، يكون الحكم على الثقافة نفسها، فإذا قلنا إنه ردىء، فهذا يعنى الحكم على الثقافة بأنها رديئة، وبسبب هذا عدل المصطلح من النقد الثقافى الى القراءة الثقافية، لأن القراءة لا تحتاج إلى إصدار حكم، بل لها مستويان، جمالى وثقافي، الجمالى يحتاج الى معرفة لغوية جيدة، والثقافى يحتاج الى خلفية معرفية عريضة مرتبطة بكل الفنون، يؤمن عبد المطلب بأنه لولا ما قدمته الثقافة المصرية للشعر العربى لما كان هناك شعر عربى على الإطلاق، وبهذا الكلام كان يرد على ادعاءات الشاعر السورى الكبير أدونيس، الذى قال إن محمود سامى البارودى بدل أن يسير بالشعر الى الأمام رجع الى الخلف. وقال أيضا أن أحمد شوقى ذهب الى فرنسا وعاد ليضيف الى القديم قديما.

 

عبد المطلب تصدى لهذه الادعاءات، وقال لصاحب الثابت والمتحول إنه لولا البارودى ما كتب المهجريون شعرا، فى فترة البارودى كان الشعر العربى قد انتهى تقريبا، بسبب الكابوس العثمانى وقبله المملوكي، وجاء البارودى لينقذ هذا الفن، وحدد فترة العصر العباسى واستلهم منجز شعرائها وبدأ النهضة واستقل بصوته بعد ذلك، أما شوقى عندما ذهب إلى فرنسا فكان ثريا يمتلك 1400 سنة من الشعر، لم يذهب اليها مفلسا، لذا من الطبيعى ألا يأتى منها إلا بما يفتقده فى الشعر العربي، فجاء بشعر الأطفال وبالمسرح الشعرى وبالشعر الملحمي، كتب عبد المطلب عن كل الأجيال وعن كل التيارات الشعرية، مستمتعا بما يكتب وكان يقرأ الروايات ولا يكتب عنها، الى أن قال له أحدهم إنه نصف ناقد، لأنه لم يكتب عن فن الرواية، فكتب عن بعض الروايات، ومع هذا يعتقد أن الكتابة عن رواية يحتاج الى ثلاثة أشهر حتى يعتقد الناقد أنه هو كاتبها، ويقول «اليوم تجد الناقد يتسلم رواية اليوم ويناقشها غدا، كيف؟!».. فتقاليد النقد اختفت، وصارت عملية آلية تقليدا للغرب ودون تفرغ للقراءة المتعمقة مع ربط التراث القادم بالتراث القديم، الناقد الكبير الذى ولد فى المنصورة سنة 1937 وتخرج فى دار العلوم، وعين فى جامعة عين شمس سنة 1978 هو الوحيد بين نقاد جيله الذى اعتبر أحمد عبد المعطى حجازى أشعر من العظيم صلاح عبد الصبور الذى اعتبره صاحب فكرة شعرية، أما حجازى فصاحب صيغة شعرية كالمتنبي، أحببت الدكتور عبد المطلب على المستوى الإنسانى لبساطته وعفويته وتواضعه، ولأنه يمتلك الى جوار قيمته كناقد عظيم روح الفنان المحب للناس والثقافة ومصر المكان والمكانة، والذى تشعر وانت فى حضرته بطمأنينة لا تعرف مصدرها.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية