أحرص أنا وأصدقائي الذين ارتبطت بهم منذ سنوات الدراسة الجامعية، على اللقاء مرة أسبوعيا في النادي، للتواصل فيما بيننا، والترفيه للخروج من ضغوط العمل،  وأثناء إحدى تجمعاتنا تأخر صديقنا محمد عن الحضور.

بعد نحو نصف ساعة،  جاء محمد، وقد ارتسمت على وجهه معالم الحزن الشديد، وبادرته بالسؤال عن سبب عبوسه، فأجابني، بأن أخاه يعاني اكتئابا شديدا،  وشعور بالرفض لكل من حوله،  كما يتخيل أشياء غير حقيقية وسلبية عن أسرته، وهذا الأمر يؤثر كثيرا على حياته، خاصة وأنه متزوج ولديه أطفال.

اقترح الأصدقاء، على محمد أن يتحدث مع طبيب نفسي لكي يفسر له حالة شقيقه، فعرضت عليه التواصل مع د. محمد القاضي، استشاري العلاج النفسي التخصصي، وبالفعل في اليوم التالي، اصطحبت محمد إليه، ليشرح له حالة شقيقه.

 وقال د. القاضي لمحمد،  إن شقيقه يعاني من الاكتئاب الذهاني، وهو أحد الأمراض العقلية الفصامية يصاحبها نوبات من الاكتئاب والحزن والأسى وفقدان الأمل، وأحيانا يأتي مع الفصام أو الذهان نوبات من الاكتئاب، في هذه الحالة نطلق عليه اكتئاباً ذهانياً.

 “التشخيص الأولي يكون "ذهان" لأنه الأشد والأعم، ويصاحبه خلل في الإدراك والتفكير والمشاعر والإرادة والسلوك"، حسبما وصف الطبيب النفسي، قبل أن يواصل: "الأعراض الإيجابية للمرض تتمثل في الضلالات والهلاوس وفقدان الوعي بالزمان والمكان والأشخاص، أما الأعراض السلبية تشمل فقر العلاقات الاجتماعية، والانطواء والبعد عن الناس".

وهناك أسباب كيميائية ونفسية واجتماعية، ولا بد أن تتكاتف هذه الأسباب معا لحدوث هذا الاضطراب العقلي، كما كشف "القاضي"، موضحا أن الأسباب الكيميائية تشمل خللا في الناقلات العصبية في الدماغ، وأحيانا يكون هناك عامل وراثي مسبب لهذا المرض، ومن الممكن أن يكون التعرض لبعض الحوادث الشديدة والتي تؤثر على المخ.

وشدة الإصابة تختلف من مريض إلى آخر، بحسب استشاري العلاج النفسي، متابعا: "أن الشفاء من الذهان أمر من الممكن حدوثه، ولكن هناك اكتئاب ذهان مزمن، والعلاج لا بد أن يسير بالتوازي ما بين العلاج الكيمائي والنفسي والاجتماعي، فيجب أن يتناول أدويته بانتظام ويتابع مع الطبيب، مع ضرورة أخذ جلسات نفسية لكي يستطيع أن يفكر بشكل جيد وأن يتواصل مع الآخرين، وكيفية التحكم في الأفكار والمشاعر السلبية التي لديه".

وهناك علاجاً جماعياً لا بد ان تشارك به الأسرة، بحسب "القاضي"، وأن يكون لديها وعي بطبيعة هذا الاضطراب، وهو أهم جزء في العلاج، أيضا هناك جلسات كهربائية وهي معترف بها دولياً وتؤدي الي نتائج جيدة، وهناك حالات تضطر الي دخول المستشفى للعلاج.

توجهنا بالشكر لـ د. محمد القاضي، وغادرناه، بعد أن قرر محمد محاولة إقناع شقيقه باللجوء للطبيب المناسب.

وما أن عدت إلى المنزل، حتى هاتفت د. إيمان عبد الله استشاري الطب النفسي، وحدثتها عن حالة شقيق محمد وما يعانيه من مرض "الاكتئاب الذهاني"، فقالت لي، إنه نوع من الاكتئاب الشديد، وهو متعلق بالذهن، وفي علم النفس هو نوع من الأمراض العقلية، والذهان عبارة عن هلوسة، مثل سماع أصوات غير حقيقية أو رؤية أشياء لا يراها غير المريض، مستطردة: "ويكون لدى المريض شعور دائم بعدم القيمة، وشعور بارتكاب ذنب ما، ويكون لديه جلد لذاته، وحالة الذهان هي حالة انفصام عن الواقع، ومن أعراضه الشائعة اضطراب النوم، فـ"المكتئب الذهاني" من الصعب أن ينام وهناك نوع آخر يشعر بالإرهاق الشديد نتيجة للأعراض التي ترهقه جسديا وعصبيا، مما يؤدي لدى بعض المرضى إلى النوم المفرط.

ويكون لدى مريض الاكتئاب الذهاني، مشكلات في الذاكرة والتركيز بسبب قلة النوم والأرق، فيحدث له قلة وعي للبيئة المحيطة به، ومن ضمن الأعراض كما سردتها د. إيمان، أنه يكون المريض كارها لذاته، ويشعر بانعدام قيمة نفسه، ويحمل نفسه دائما أي مشكلة قد تحدث، كما أنه يكون لديه اضطراب في تناول الطعام، فتزداد شهيته أحيانا، وتقل في بعض الحالات الأخرى.

"ومحاولات الانتحار لدى مريض الاكتئاب الذهاني تكون كثيرة، ومعظمهم يتحدثون كثيرا على الانتحار"، هذا ما أكدته د. إيمان، وقالت إنه من ضمن الأعراض أيضا فقدان الحماس، والأنشطة والبهجة، وفقدان الاهتمام بالنفس، كما أن غضبه يكون شديدا للغاية، ومن الممكن أن يقوده ذلك الاكتئاب إلى إدمان المخدرات، مشيرة إلى أن مريض الاكتئاب الذهاني يفصل نفسه عن الواقع بتفكيره ومعتقداته، إذ قد يعتقد أنه مصاب مثلا بمرض السرطان أو أنه سيموت قريب، وهذا الأمر في الحقيقة غير صحيح، ويكون لديه أوهام دائمة محيطة به وبتفكيره.

وأشارت إلى أن العلاج يكون بتناول أدوية مضادة للاكتئاب ومضادة للذهان، مستطردة: "وبالطبع يكون تحت إشراف الطبيب، بالإضافة إلى بعض الصدمات الكهربائية والتي تتم بعد تخديره، وهي آلية علاج كون البعض فكرة خاطئة عنها بسبب الأعمال الدرامية، ومن ثم فهو يحتاج إلى بعض الجلسات النفسية من أجل الشفاء".