لشجرة التوت رسوخها في التاريخ المصري والعالمي، فالشجرة التي رافقت البشر في العشق والغناء والأساطير وكذلك الرسم والفنون، كانت مادة للغذاء وتصنيع الأثاث منها قبل أن تهتدي البشرية لأهميتها في استخراج الحرير الذي يعتبر أيضا من الملابس القديمة .

بدوره يؤكد وليم نظير في كتابه "الثروة النباتية عند قدماء المصريين"، أن الفراعنة استخدموا شجرة التوت في صنع الأثاث، كما استخرجوا منها أدوية، مؤكدا أنه تم اكتشاف التوت في مقابر الفيوم وهو التوت الأحمر، ويؤكد المؤرخون أن التوت قديم جدا فقد انتقل من الصين للعالم.
 

أما في عصرنا الحديث فقد تحولت الشجرة لمعشوقة الأدباء والشعراء أمثال شكسبير، ومثل الفنان فان جوخ والذي قام برسم أهم لوحاته عام 1989م تحت عنوان «شجرة التوت»، وهي موجود بمتحف نورتن سيمون في باسادينا، في كاليفورنيا.

في الوطن العربي الذي زرع شجرة التوت منذ العصور القديمة، صارت الشجرة لها تراثها الثقافي والشعبي وكذلك الحرفي، حيث تحول أهل الشام لأساتذة في الزراعة، وهم الذين استقدمهم محمد على باشا لمصر؛ للارتقاء بزراعة التوت واستخراج الحرير منه، كما وُجد التوت في الأغاني العربية، والتي يرددها الناس  حتى الآن، من أشهرها أغنية المطربة الراحلة صباح  والتي تقول  بعض مقاطعها  "ع الضيعة ياما ع الضيعة.. وديني وبلا هالبيعة.. جينا نبيع كبوش التوت ضيعنا القلب ببيروت".

ينقلنا المؤرخ أحمد الحتة في كتابه "تاريخ الزراعة في عهد محمد على الكبير" لتاريخ زراعة شجرة التوت وتربية دودة القز منها لاستخراج الحرير، حيث يؤكد أن مصر كانت تزرع التوت منذ العصور القديمة، ولكن حين تولي محمد على باشا حكم مصر، أراد إدخال دود القز للانتفاع بمحصوله من الحرير، فاستقدم بعض الحرفيين من البندقية عام ١٨١٠م، ولكن التجربة باءت بالفشل؛ لذا قرر الاستعانة بأهل الشام، وخاصة من جبل لبنان، حيث استقدم الخبراء اللبنانيين، وجعلهم يعملون في وادي الطميلات، ونقل بعض المزارعين من الشرقية وجعلهم في الطميلات؛ كي يتعلمون من الخبراء اللبنانيين، وهذا ما حدث؛ حيث تفوق المصريون على أساتذتهم اللبنانيين.
 

ويؤكد الحتة أن الخبراء  الذين استقدمهم  محمد على باشا لمصر كانوا يقدرون بنحو ٥٠٠ خبير، وقد نجح الخبراء وأهل الشرفية في شيوع محطات تربية دود القز لاستخراج الحرير.

كانت مصر تزرع أصناف التوت العديدة البلدي والشامي، إلا إن محمد على باشا أدخل نوعين وهما: التوت الأبيض من الصين ، والتوت المنسوب إلي الفلبين وأوراقه كبيرة محدبة مدورة، وقد بلغت أشجار التوت في مصر نحو ٣٠٢٤١٠ شجرة، وبلغ عدد المزارع نحو ١٠ آلاف فدان، وقد تركزت في محافظات الوجه البحري مثل البحيرة في وادي الطميلات، الشرقية، المنصورة، المنوفية، الغربية، القليوبية، الجيزة، دمياط، رشيد، كما تمت زراعة نحو ٣٠٠ فدان في سهل أسيوط، وقد بلغ مجموع أشجار التوت عام ١٨٤٠م لنحو ٤ ملايين شجرة توت .

يؤكد الحتة ، أن مزارع التوت في وادي الطميلات كانت في أملاك محمد على باشا الخاصة، وقد اعتنى بها نحو ألفين من الفلاحين و٥٠٠ خبير سوري، أما إبراهيم باشا فقد زرع أشجار التوت في مئات الأفدنة وعلى حافات السواقي، كما تم إعفاء الأطيان التي تزرع التوت من الأموال.

وانتشرت زراعة التوت في مصر حتى أن الأجانب قاموا بزراعة التوت ، حيث زرع الأجنبي جراجور نحو ١٢ ألف شجرة توت في أرضه التي كان يزرعها في مصر عام ١٨٤١م ، وقد أصدرت الحكومة عقابا شديدا لمن يقوم بقطع أشجار التوت، حيث قامت بعقاب الجلد . مع الإنذار بالصلب على جذوع الأشجار ، كما منعت إعطاء رخصة لأي تاجر يقوم بقطع شجرة توت .

كانت أشجار التوت تورق في شهر يناير، ويظهر ورقها منتصف فبراي ، وكانت الأوراق تستخدم كالعادة في تغذية دود القز، أما ثمر ألتوت فكان يجنى من الأشجار ويباع في الطرقات، ويقبل المصريون على شراءه، وقد كانت الحكومة التي تقدم نشرات مهمة لزراعة التوت وخبراء يجوبون المزارع، تمد المربين بكافة أدوات معامل تربية دود القز، حيث كانت تقدم لهم البيض، وتمدهم بعشرة رجال ونساء للعمل ، بالإضافة للمعدات التي كانت آنذاك بدائية من أقفاص الجريد، كما كانت تقدم لهم تقاوي الروم، وتقاوي الشام أيضا، وكان كلما يكبر الدود ينقل للأطباق، وقد كان يعطى للدود طعاما من ورق التوت المخروط لمدة، ثم ورق التوت غير  المبلل ، وقد كان الحر ودرجة الحرارة العالية تؤثر عليه، بالإضافة للمحافظة عليه من الثعابين والنمل والعصافير والهداهد، مع سد الفتحات للحفاظ عليه من الرياح الشديدة 

ويؤكد أحمد الحتة ، أن تربية دود القز كانت تحتاج للحنكة والصبر ، وفى عهد محمد علي باشا ، كان الأسطوات هم المسؤلون، فأي تكاسل وأهمال منسوب لهم، أما المأمورون ونظار الأقسام من الحكومة فعليهم تقديم الأشخاص للخدمة والأدوات فى ميعادها، وقد كان الأشراف على تربية دود القز من الحكومة بيد كل من: محمد بسيم الأدرنالي، ومصطفى أغا مأموري زراعة أشجار التوت وتكثيرها، وقد كان الدود يخرج الحرير من فمه بداية شهر مارس فتبني حول جسمها بيتا يؤخذ منه الحرير ، وقد أنشأ محمد على باشا مصانع للحرير كان بها ١٠٠ نول، وقد جلب بعض الأرمن من تركيا لنسج الحرير على الطريقة المتبعة في الأستانة ، وعلى رغم زيادة إنتاج مصر من الحرير إلا إنه لم يكن كافيا، وقد كانت تستورد مصر من الخارج .

في  عصرنا الحالي، وفي محافظة قنا بصعيد مصر  تتواجد مزرعة التي تعد الأولى من نوعها، حيث تم استصلاحها في الصحراء، لكنها مزرعة غير تقليدية، اعتمدت على وسائل حديثة فى الاستصلاح والري ونوعيات غير مألوفة من أشجار التوت، التي لا يتعدى طولها أكثر من متر، لكنها تعطى كميات جيدة من أوراق التوت، إضافة لاعتمادها على الطاقة الشمسية في تشغيل مواتير سحب المياه الجوفية من باطن الأرض.

وقال أشرف الداودي  محافظ قنا، إن مشروع مزرعة التوت لإنتاج خيوط الحرير الطبيعي بنقادة يقع علي مساحة ٢٠ فدانًا كمرحلة أولي من مشروع طموح تتبناه مؤسسة النداء بالتعاون مع محافظة قنا، لتوطين إنتاج الحرير الطبيعي واستكمال سلسلة القيمة المضافة بتصنيع منتجات نسيجية للتصدير من خيوط الحرير الطبيعي، موضحًا أن مزرعة النداء تعتبر اول المشروعات الناجحة في انتاج خيوط الحرير في مصر حتي الآن حيث وصل إنتاج المرحلة الأولى إلى معدلات عالية في وقت قياسي.  

وأضاف "الداودي" أن المشروع وفر 100 فرصة عمل لأبناء مركز نقادة كمرحلة أولى بتكلفة إجمالية تصل إلى 20 مليون جنيه ، بينما سوف تقع المرحلة الثانية من المشروع علي مساحة 200 فدان سيتم زراعتها بأشجار التوت المتقزم وعدد من التدخلات الزراعية الأخرى مثل منحل لإنتاج العسل الأبيض وإنتاج الطرود بالإضافة إلى زراعة قصب السكر بالتنقيط واعادة تدوير المخلفات الزراعية، مشيرا إلى أنه خلال المرحلة الأولي من المشروع سوف يتم إنشاء مركز تدريب من مؤسسة نداء لتدريب الشباب من الخريجين علي صناعة الحرير، كما سوف يتم إنشاء أول نموذج عصارة عسل أسود بدون وجود أي أيدي عاملة وذلك للاستفادة من مخلفات التوت بعد التصنيع ليتم عمل تدوير لها ، كما سيتم إنشاء مصنع بيض لدودة القز خلال المرحلة الثانية من المشروع.