تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : ملخ الولادة.. شلل من غرفة الولادة
source icon

سبوت

.

ملخ الولادة.. شلل من غرفة الولادة 

كتب:مروة علاء الدين

في لحظة يفترض أن تكون الأجمل في حياة أي أم، لحظة لقاؤها الأول بطفلها، لا شيء يُهيئها لاحتمال أن الصرخة الأولى التي انتظرتها بشوق قد تخفي وراءها ألما لا يرى، يبدو كل شيء طبيعيا للوهلة الأولى، ولكن سرعان ما يلاحظ الطبيب أن الذراع الصغيرة لا تتحرك.. لا تبكي عند لمسها., لا تستجيب.. تبدأ رحلة جديدة – مختلفة، ومبكرة، ومفاجئة – من القلق والفحوصات والخوف من المستقبل.

ما يعرف شعبيًا بـ(ملخ الولادة)، وطبًيا بـشلل الضفيرة العضدية (شلل إرب)، ليس مجرد خلل عصبي يصيب الضفيرة العضدية عند حديثي الولادة، بل هو قصة كفاح تبدأ من أول لحظة في الحياة، وتتداخل فيها فصول من الألم، والعلاج، والتأهيل، والأمل... وأهمها: الاحتواء.

ليست الأم وحدها من تتألم، بل العائلة كلها تصبح في مواجهة أسئلة لم تدر ببال أحد، هل سيتحرك ذراع طفلي يوما؟ هل سيكون قادرا على اللعب؟ على الاعتماد على نفسه؟

لكن خلف هذه الأسئلة، يقف الطب والعلم والخبرة والدعم النفسي، ليضيء طريقا كاملا من إمكانيات الشفاء، في هذا التقرير، نستعرض شهادات الأطباء، لنفهم معا ما هو شلل إرب، ولماذا يحدث، وكيف نتعامل معه في أولى أيام الحياة.

الإصابة الشائعة
يشرح الدكتور أحمد مكاوي، استشاري جراحة الأعصاب، أن شلل الضفيرة العضدية – المعروف طبياً باسم شلل إرب دوشن (Erb’s Palsy) – يعد من أكثر الإصابات العصبية شيوعاً لدى حديثي الولادة، ويحدث نتيجة تلف جزئي أو كلي في مجموعة الأعصاب الخارجة من الحبل الشوكي والمسؤولة عن الإحساس والحركة في الكتف والذراع.

وتعرف هذه الشبكة المعقدة باسم "الضفيرة العضدية"، وتخرج من الفقرات العنقية (C5–C6–C7). ويؤدي الشد المفرط أثناء الولادة – مثل سحب رأس الطفل أو عنقه بقوة – إلى تمدد هذه الأعصاب أو تمزقها أو حتى انقطاعها، مما يتسبب في فقدان جزئي أو كلي للحركة أو الإحساس في الذراع المصابة.

ويؤكد د. مكاوي أن الإصابة لا تعني بالضرورة شللًا دائماً، إذ قد تلتئم الأعصاب تلقائيًا في الحالات البسيطة، بينما تتطلب الحالات المعقدة تدخلًا طبياً، قد يشمل زراعة أو نقل أعصاب من أماكن أخرى بالجسم لدعم استعادة الحركة.

ويتبع العلاج بروتوكولاً تدريجياً يشمل:

1. العلاج الطبيعي المبكر: يبدأ في الأسبوع الثاني بعد الولادة، بهدف منع تيبس المفاصل وتنشيط العضلات الضعيفة، باستخدام تمارين تمديد وتحفيز عصبي حسي.

2. العلاج الوظيفي: يركز على مساعدة الطفل في استخدام الذراع المتأثرة ضمن الأنشطة اليومية، مثل الحبو أو التقاط الأشياء، لتطوير قدراته الحركية بشكل طبيعي.

3. الجراحة العصبية: تناقش في حال عدم ظهور تحسن ملحوظ خلال فترة تتراوح من 3- 6 أشهر، وتشمل ترميم الضفيرة العصبية أو نقل أعصاب سليمة من أماكن أخرى في الجسم.

4. العلاج المائي (الهيدروثيرابي): يستخدم لتقوية العضلات وتحسين التوازن الحركي، دون إجهاد المفاصل، وهو خيار فعال وآمن للأطفال.

5. الجراحات التكميلية: قد تجرى في مراحل لاحقة لبعض الحالات لتحسين وظيفة الذراع أو شكلها، مثل نقل الأوتار أو تصحيح وضع الكتف

 عوامل الولادة
توضح الدكتورة غادة عبد القادر، أخصائية النساء والولادة، أن إصابة شلل إرب غالبا ما تكون مرتبطة بظروف معينة تحدث أثناء عملية الولادة، تجعل الضفيرة العضدية أكثر عرضة للشد أو التمزق.

وتقول: "من أبرز العوامل التي تؤدي إلى الإصابة وجود وزن زائد للجنين – عادة أكثر من 4 كيلوجرامات – أو تعسر نزول الكتف بعد خروج الرأس، وهي حالة تعرف بتعسر الكتف، إضافة إلى استخدام أدوات مساعدة أثناء الولادة مثل الشفاط أو الملقط، أو في حالات الولادة المقعدية، وكذلك الولادات الأولى للأمهات صغيرات السن اللاتي قد لا يحصلن على متابعة حمل دقيقة أو تقييم شامل للمخاطر."

وتشير إلى أن نسبة الإصابة عالمياً  قد ترتفع إذا لم يتم اتخاذ التدابير الوقائية المناسبة، لا سيما في حالات الاشتباه بكبر حجم الجنين، أو وجود تاريخ سابق لتعسر في الولادات، مما يستدعي تخطيطا دقيقا للطريقة المثلى للولادة.

وتؤكد د. غادة أن التشخيص المبكر خلال أول أسبوعين من عمر الطفل له أهمية بالغة، لأنه يحدد درجة الإصابة ويتيح وضع خطة علاجية مناسبة، سواء كانت مقتصرة على العلاج الطبيعي، أو تستلزم لاحقا تدخلا جراحيا متخصصا.

وتختم بقولها: "التخطيط الجيد للحمل، والمتابعة الدقيقة لقياسات الجنين خلال الأسابيع الأخيرة، يمكن أن يقلل من فرص الإصابة بشكل كبير. وعند وجود مؤشرات على تعسر الكتف، تكون الولادة القيصرية هي الخيار الأكثر أمانا للأم والطفل على حد سواء."

أعراض الإصابة
ومن جانبه يرى الدكتور وليد عبد الحميد، أخصائي علاج طبيعي وتأهيل حركي للأطفال، أن شلل إرب يكتشف غالبًا فور الولادة، ويظهر من خلال علامات واضحة يمكن ملاحظتها على الذراع المصابة. ويقول: "العلامة الأكثر وضوحاً هي أن الذراع المصابة تكون ملتصقة بجانب الجسم، متدلية نحو الأسفل، لا تتحرك حتى أثناء بكاء الطفل، وعادة ما يكون الكتف منخفضًا، والذراع ممتدة في وضع غير طبيعي، بينما تظهر اليد إما مفتوحة أو مقبوضة بشكل غير اعتيادي."

ويضيف أن من أبرز الأعراض السريرية التي يلاحظها الأطباء:
-غياب منعكس "مورو" في الذراع المصابة، وهو رد فعل طبيعي لدى الأطفال عند الشعور بالمفاجأة.
-عدم بكاء الطفل عند لمس الذراع، ما قد يدل على وجود ألم أو تلف عصبي.
-احتفاظ الطفل ببعض الحركة في اليد مع ارتخاء الذراع بالكامل، وهو ما يشير إلى أن الإصابة قد تكون جزئية في الأعصاب العليا للضفيرة العضدية.

 ويشير د. وليد إلى أن التشخيص يبدأ عادة بالفحص الإكلينيكي الذي يجريه الطبيب المختص، ويستكمل باستخدام وسائل تشخيصية مثل تخطيط العضلات الكهربائي (EMG) وأشعة الرنين المغناطيسي، والتي تساهم في تحديد نوع ودرجة الإصابة، ما يساعد فريق التأهيل في بناء خطة علاج مناسبة لكل حالة.

درجات الإصابة
ويوضح د. وليد أن التصنيف الطبي للإصابة يُقسم حسب شدتها إلى أربع درجات:
1. تمدد عصبي (Neuropraxia): أبسط أنواع الإصابة، وغالبا ما تشفى تلقائيا خلال عدة أسابيع.

2. تمزق جزئي (Axonotmesis): يحتاج إلى برنامج علاج طبيعي دقيق ومراقبة تطور الحالة باستمرار.

3. تمزق كامل (Neurotmesis): يتطلب جراحة دقيقة لربط أو زرع الأعصاب المصابة.

4. اقتلاع من الجذر (Avulsion): يعد من أكثر الأنواع تعقيدا وصعوبة في العلاج، وغالبا ما يصعب استعادة الوظيفة الكاملة للذراع.

خطة علاج
ويؤكد أن العلاج الفيزيائي يمثل الخطوة الأولى والأساسية في التعامل مع شلل إرب، وينبغي أن يشمل:
1. الحفاظ على المدى الحركي لمفاصل الكتف والمرفق والرسغ لمنع التيبس.
2. وضع الذراع في وضعية تصحيحية تتضمن تبعيد الذراع عن الجسم، وتدويره خارجيا، مع بسط الرسغ.
3. تحفيز حسي مستمر من خلال اللمس والاحتكاك لتحفيز الأعصاب المتأثرة.
4. تمارين تقوية عضلية تدريجية باستخدام تقنيات التحفيز العصبي العضلي، لتشجيع استعادة الحركة الوظيفية.

أرقام ودراسات
تشير الأكاديمية الأمريكية لجراحي العظام (AAOS) إلى أن معدل الإصابة بشلل الضفيرة العضدية، بما في ذلك شلل إرب، يتراوح بين 1.5 إلى 2.6 حالة لكل 1000 ولادة حية.

وتشير الدراسات إلى أن 70–80% من الحالات البسيطة تتحسن خلال أول 3 أشهر، بينما يحتاج 20–30% إلى تدخلات علاجية أو جراحية. ويؤكد الباحثون في Mayo Clinic أن بدء العلاج الطبيعي في الأسابيع الأولى يعزز فرص الشفاء ويقلل من خطر الإعاقة.

نسب وتحذيرات
يؤكد الدكتور أشرف عبد العزيز، أستاذ جراحة اليد والطرف العلوي، أن شلل الضفيرة العضدية يعد من الإصابات العصبية الشائعة نسبياً بين حديثي الولادة، ويشير إلى أن نسب التحسن الطبيعي تعتبر مشجعة، لكنها ترتبط ارتباطًا وثيقاً بسرعة التشخيص وبدء العلاج، محذرًا من التأخر أو الاكتفاء بالتحسن الظاهري دون استكمال الخطة العلاجية.

ويقول: " أغلبية الحالات تشهد تحسنا تدريجيا مع العلاج الطبيعي وحده، وقد يستعيد الطفل قدرًا كبيرًا من الحركة والوظائف الحركية دون الحاجة لتدخل جراحي، بشرط الالتزام التام بجلسات العلاج الطبيعي خلال الأشهر الأولى بعد الولادة. فى المقابل تحتاج النسبة المتبقية إلى تدخل جراحي  متخصص، تتضمن توصيل أو ترقيع الأعصاب المقطوعة لإعادة الحركة إلى الذراع المصابة."

علاج ممتد
ويشدد د. أشرف على أن خطة العلاج لا تنتهي مع تحسن الأعراض الأولى، بل ينبغي الاستمرار في العلاج الطبيعي والتأهيل الحركي حتى سن دخول المدرسة، لضمان استعادة الذراع لوظيفتها الكاملة. ويضيف: "بعض الأطفال رغم تحسنهم العام، يحتاجون إلى جراحات تكميلية مثل نقل الأوتار أو إعادة ضبط وضعية المفصل، وذلك بهدف تحسين القدرة على أداء المهام الدقيقة، أو تعويض عضلات لم تستعد قوتها الطبيعية."

كما يؤكد أن الفترة الذهبية للعلاج هي الأشهر الستة الأولى من عمر الطفل، معتبرا أن أي تأخير في التشخيص أو في بدء التدخل العلاجي يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية على المدى الطويل، منها اختلال التوازن الحركي في الذراع، أو تشوهات في المفاصل ووضعية الكتف واليد.

الدعم يصنع الفارق
تشير ميرفت رجب، استشارية تربوية ومدربة دعم نفسي للأمهات، إلى أن تلقي خبر إصابة الطفل بشلل إرب قد يكون بمثابة صدمة قوية للأم في البداية، خاصة إذا كانت تعيش تجربة الأمومة للمرة الأولى. إلا أن هذه الصدمة لا تعني نهاية الطريق، بل هي بداية رحلة جديدة تتطلب وعيا وصبرا ومساندة.

وتشدد على ضرورة عدم تحميل الأم نفسها ذنب ما حدث، قائلة: "هذه إصابة ولادية تحدث في ظروف خارجة عن إرادتها، ولا علاقة لها بما قامت به أو لم تقم به" وتضيف أن الدعم النفسي من المحيطين، إلى جانب شرح الحالة بشكل مبسط وواضح من الأطباء، يصنعان فارقاً كبيرًا في قدرة الأسرة على استيعاب الموقف والتجاوب مع خطة العلاج.

وتلفت ميرفت إلى أن الجانب النفسي ليس أقل أهمية من الجانب الجسدي في التعامل مع شلل إرب، موضحة: "كلما شعر الطفل بالأمان والدعم، سواء من الأسرة أو الفريق الطبي، زادت ثقته بنفسه وتحسنت استجابته للتمارين والعلاج، وهو ما ينعكس إيجابيا على تطور قدراته الحركية والاجتماعية في المستقبل."
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية