تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
في السنوات الأخيرة، شهدت مصر توسعًا ملحوظًا في إنشاء المجتمعات السكنية المغلقة، المعروفة بـ "الكمباوندات"، والتي باتت تمثل نمطًا سكنيًا مفضلًا لدى العديد من الشرائح الاجتماعية، حيث تتميز بوسائل الراحة والأمان، إلا أنها تثير تساؤلات حول تأثيرها على النسيج الاجتماعي والتماسك المجتمعي، وما إذا كانت تعكس رغبة في الخصوصية والأمان، أم تعزز من الفوارق الطبقية والعزلة الاجتماعية؟، لذلك نرصد في هذا التقرير الاجتماعي، أسلوب الحياة داخل هذه المجتمعات السكنية الخاصة، ولماذا يختار البعض العيش في عزلة؟ ومدى التغير في ثقافة "الجار" والمجتمع المفتوح.
تمدد الجذور
انتشرت التجمعات السكنية أو ما يطلق عليه "كمباوند" في مصر، كحلول سكنية فاخرة، توفر الأمان والخصوصية، وبدأت هذه الظاهرة في التسعينيات، مع إنشاء أولى هذه المجتمعات في مناطق مثل الرحاب والتجمع الخامس، ومنذ ذلك الحين، تزايد عددها ليزيد عن 1000 كمباوند.
تحول في أنماط الطلب
يفضل العديد من الأفراد، السكن في الكمباوندات بحثًا عن الأمان، والخصوصية، وتوافر الخدمات المتميزة، كما أن تدهور الخدمات في بعض المناطق الحضرية، يدفع البعض للبحث عن بدائل توفر حياة أكثر استقراراً، ولذلك شهد السوق العقاري المصري تحولًا في أنماط الطلب، مع تزايد إقبال الأفراد، خاصة من الطبقات المتوسطة العليا والعليا، على السكن داخل هذه التجمعات المغلقة.
حيث أرجع أحمد عامر، خبير التنمية المحلية، هذه الظاهرة إلى مجموعة من الدوافع النفسية والاجتماعية والاقتصادية لدى أفراد هذه الطبقات، يأتي على رأسها الإحساس بالأمان، الذي توفّره أنظمة الحراسة المشددة والمداخل المؤمنة، فضلًا عن كاميرات المراقبة المنتشرة في كل زاوية، والحدائق، والنوادي الرياضية، ومناطق اللعب للأطفال، إضافة إلى أنها توفر الخصوصية، لأن السكن في مجتمع مغلق، يمنح الأسر حرية الحركة والاستجمام بعيداً عن أعين الغرباء، وهو ما يعزز شعورهم بالراحة والتميز.
العزلة الاجتماعية
رغم المزايا التي تقدمها هذه التجمعات المغلقة، إلا أنها قد تسهم في تعزيز العزلة الاجتماعية، حسب الدكتور محمد صالح، أستاذ علم النفس، حيث يعيش سكانها في بيئة مغلقة، تنحسر فيها التفاعلات مع المجتمع الأوسع، وهذا الانفصال قد يؤدي إلى ضعف التفاهم والتواصل بين مختلف شرائح المجتمع.
وقال د. صالح، أن الكمباوندات تعمل كحواجز جغرافية واجتماعية، حيث يعيش سكانها ضمن نطاق محدود من العلاقات الاجتماعية، وغالبًا مع شرائح اجتماعية مماثلة لهم، مما يقلل من التنوع والتواصل مع فئات مختلفة من المجتمع.
هذا الانفصال قد يؤدي إلى ضعف التفاهم بين الفئات الاجتماعية المختلفة، ويزيد من الشعور بالعزلة الاجتماعية، خاصة لدى الفئات الأكثر هشاشة مثل الأطفال والشباب وكبار السن، كما يحد من فرص التعرف على تجارب وآفاق جديدة، مما يؤثر سلبًا على الاندماج المجتمعي.
ويرى د. صالح، أنه يجب مراعاة تعزيز الروابط الاجتماعية داخل هذه المجتمعات من خلال تنظيم فعاليات وأنشطة مشتركة، وتشجيع الانفتاح والتواصل مع المجتمع الأكبر، لضمان التوازن بين الرغبة في الراحة الشخصية والانتماء الاجتماعي.
تلاشي الهوية الثقافية
وتشير الدكتورة آمال أحمد، الخبير التعليمي، إلى تأكيد الدراسات أن سكان الكمباوندات، قد يتبنون ثقافات وأنماط حياة مختلفة عن باقي المجتمع، مما قد يؤدي إلى تآكل الهوية الثقافية المشتركة، فعلى سبيل المثال، قد يفضل البعض التحدث بلغات أجنبية واختيار أنماط تعليمية وثقافية مختلفة، كما أن التركيز على نمط حياة معين يقلل من التنوع الثقافي والتفاعل بين ثقافات المجتمع، خاصة أن الكمباوندات تفتقر إلى المراكز الثقافية، والمكتبات، والمسارح، ودور السينما، مما يؤدي إلى تراجع التفاعل الثقافي بين السكان، ويؤثر على الهوية الثقافية للمجتمع.
وتؤكد د. آمال، أن انخفاض فرص الاحتكاك الثقافي، يولد بيئة مغلقة ذات ثقافة استهلاكية نمطية، كما أن الأطفال في هذه المجتمعات لا يتعرضون لنفس التجارب الاجتماعية والثقافية، التي يمر بها أقرانهم في المناطق الشعبية أو التاريخية.
إضافة إلى أن نمط الحياة الراقي والمغلق، ويبعد الأفراد عن مظاهر الثقافة العامة التي تشكل وجدان المصريين، مثل المقاهي الشعبية، والأسواق المحلية، والمهرجانات، بحيث ينمو جيل يحمل هوية ثقافية منغلقة ومنفصلة عن جذوره الاجتماعية.
كما يساهم تعدد أنظمة التعليم، وانتشار التعليم الأجنبي داخل هذه المجتمعات، في تلاشي الشعور بالهوية القومية، ويترك المجال للهيمنة والتبعية الثقافية، مما يضعف مقومات الهوية الثقافية للمجتمع، مما يحتم ضرورة التدخل والتخطيط، لتعزيز التكامل الثقافي داخل هذه المجتمعات، وإنشاء مراكز ثقافية، ومكتبات، ومساحات عامة، تشجع على التفاعل الثقافي والاجتماعي.
العمران الإقصائي
وأجرت الدكتورة أماني قنديل، أستاذة علم الاجتماع السياسي بجامعة القاهرة، دراسة على الحياة داخل الكمباوندات، توصلت فيها إلى أنها لم تعد مجرد نمط سكني، بل أصبحت تجسيداً لما يسمى بـ "العمران الإقصائي"، حيث تنفصل فئات معينة عن باقي المجتمع من خلال الحواجز المكانية والاجتماعية، وتؤدي هذه الظاهرة إلى تآكل النسيج المجتمعي وتقليل فرص التفاعل بين الطبقات، ما ينعكس سلبا على التفاهم والتضامن الاجتماعي.
وقالت د. أماني، أن التوسع في هذه المجتمعات أدى إلى هيمنة الرؤية الاستثمارية على تخطيط المدن، حيث تحولت إلى أدوات لتعزيز الطبقية، بدلاً من كونها مساحات للعيش المشترك، كما أصبحت تمثل تحدياً حضرياً كبيراً يتطلب تدخلًا من الدولة، لضمان عدالة توزيع الخدمات ودمج هذه المناطق في الفضاء المدني العام.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية