تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
طلاسم على عظام الحيوانات.. رسوم شيطانية على قطع أقمشة ممزقة.. خصلات شعر.. دماء، جميعها وغيرها مفردات أعمال سُفلية أو اسحار، إما مدفونة في مقابر أو على حواف ترع وأنهار أو اسفل أشجار، بل ووصل الأمر إلى استغلال شعيرة من أعظم الشعائر الدينية في الإسلام وهي الحج لدفن تلك الأعمال التي يهدف صانعوها إلى إيذاء آخرين في أقدس بقاع الأرض، في الكعبة وجبل عرفات.
ويتساءل الكثيرون عن حقيقة السحر، وما رأي الدين فيه، هل هو حقيقة أم خرافة؟ وفي هذا التقرير يرصد لكم" سبوت" رأي الدين في السحر والسحرة، كما يُبين التقرير حكم تعليم السحر وتعلمه، وأيضا جزاء الساحر.
رأي الدين في السحر والسحرة
في البداية قال الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية السابق، أن الله ذَكر السحرَ في أكثر من موضع في القرآن الكريم، كما ورد ذكره في السُنَّة المطهَّرة، وثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، صنع له لبيدُ بن الأعصم سحرًا، يقول الله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾ [البقرة: 102]. ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات" رواه البخاري، وعَدَّ منها السحر.
وأضاف: ذكر العلماء أن جمهور المسلمين على إثبات السِّحر، وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة، وكون السحر له حقيقة ثابتة لا يعني كونه مؤثرًا بذاته ولكن التأثير هو لله تعالى وحده؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾. فقد نفى الله -عز وجل- عن السحر التأثير الذاتي ومفعوله، ونتيجته منوطة بإذن الله تعالى، ولا تتجاوز حقيقته حدودًا معينة، ولا يمكن أن يتوصل إلى قلب الحقائق وتبديل جواهر الأشياء.
هل الشياطين هي من تِعلم الناس السحر؟
وتابع د. نصر فريد واصل قائلا: ولقد وصف الله سحر سحرة فرعون بأنه تخييل في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ [طه: 66]، أي إن الحبال لم تنقلب في الحقيقة إلى ثعابين، وإنما خُيِّل ذلك للمشاهدين، ومن الآيات الكريمة نفهم أن الشياطين هم الذين يعلِّمون الناس السحر، وأن تعلم السحر ضارٌّ وليس بنافع، ويَحرُم على الإنسان أن يتعلم السِّحر أو الشعوذة لخداع الناس أو إضلالهم أو فتنتهم أو التأثير السيئ فيهم، كما يَحرُم على الإنسان أن يعتقد أن العراف أو المشعوذ أو الساحر هو الذي ينفعه أو يضره؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" رواه أبو داود والطبراني.
واختتم قائلا: وبناء على ما ذُكر فإنه يجب الاعتقاد بأن كل شيء بقضاء الله تعالى، ولا يقع في ملكه تعالى إلا ما يريده، فيجب الإيمان بأن الله فعال لما يريد، والنفع والضرر من عنده، وتفويض الأمر لله، والرضا بما قضى به، ولو كان ثمة من يوثَق به في رفع هذا المرض فلا بأس به. وننصح السائلة وأختها أن تقوي صلتها بالله، وأن تكون دائمًا في ذكر الله وذلك بالصلاة وقراءة القرآن والاستغفار، وعدم اللجوء إلى الدجالين والمشعوذين فإن ذلك انحراف عن الطريق المستقيم.
وجود السحر والإضرار بالناس
وعن تعريف السحر قال فضيلة الشيخ عبد اللطيف عبد الغني حمزة من علماء الأزهر الشريف، إن السحر في اللغة كل ما لطف مأخذه ودق وخفي، وقالوا سحره، وسحره بمعنى خدعه وعلله، وفي الحديث الصحيح: "إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا"، والسحر بالفتح وبالتحريك الرئة، وهي أصل هذه المادة، والرئة في الباطن، فما لطف مأخذه ودق صنعه حتى لا يهتدي إليه غير أهله فهو باطن خفي، ومنه الخداع وهو أن يظهر لك شيئًا غير الواقع في نفس الأمر، فالواقع باطن خفي، وقد وصف الله السحر في القرآن بأنه تخييل يخدع الأعين، فيريها ما ليس بكائن كائنًا؛ فقال تعالى ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ [طه: 66]. والكلام في حبال السحرة وعصيهم، وفي آية أخرى: ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ﴾ [الأعراف: 116].
ولفت إلي أن ذلك يدل على أن السحر إما حيلة وشعوذة، وإما صناعة علمية خفية يعرفها بعض الناس ويجهلها الأكثرون، فيسمون العمل بها سحرًا؛ لخفاء سببه ولطف مأخذه، ويمكن أن يعد منه تأثير النفس الإنسانية في نفس أخرى لمثل هذه العلة، وقد قال المؤرخون إن سحرة فرعون استعانوا بالزئبق على إظهار الحبال والعصي بصور الحيات والثعابين وتخيل أنها تسعى.
التأثيرات النفسية صناعة ووسيلة للكسب
واستطرد فضيلته: وقد اعتاد الذين اتخذوا التأثيرات النفسية صناعة ووسيلة للمعاش أن يستعينوا بكلام مبهم وأسماء غريبة، اشتهر عند الناس أنها من أسماء الشياطين وملوك الجان، وأنهم يحضرون إذا دعوا بها، ويكونون مسخرين للداعي، ولمثل هذا الكلام تأثير في إثارة الوهم عرف بالتجربة، وسببه اعتقاد الواهم أن الشياطين يستجيبون لقارئه، ويطيعون أمره، ومنهم من يعتقد أن فيه خاصية التأثير وليس فيه خاصيته، وإنما تلك العقيدة الفاسدة تفعل في النفس الواهمة ما يغني منتحل السحر عن توجيه همته وتأثير إرادته، وهذا هو السبب في اعتقاد الدهماء أن السحر عمل يستعان عليه بالشياطين وأرواح الكواكب.
وعن موقف الشريعة من السحر قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ۞ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ۞ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 101-103].
كيف ابتلى الله الناس بتعلم السحر؟
وبين الشيخ عبداللطيف المعنى الإجمالي للآيات بقوله: يخبر المولى عز وجل أن أحبار اليهود وعلماءهم نبذوا كتابه الذي أنزله على عبده ورسوله موسى عليه السلام وهو التوراة، كما نبذ أحفادهم الكتاب الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو القرآن، مع أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جاء مصدقًا لما بين أيديهم من التوراة، فلا عجب أن يكون الأحفاد مثل الأجداد في الاستكبار والعناد، فهؤلاء ورثوا عن أسلافهم البغي والإفساد والعناد، لقد نبذ أولئك كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون أنه كتاب الله المنزل على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، واتبعوا طرق السحر والشعوذة التي كانت تحدثهم بها الشياطين في عهد ملك سليمان، وما كان سليمان عليه السلام ساحرًا ولا كفر بتعلمه السحر، ولكن الشياطين هم الذين وسوسوا إلى الإنس وأوهموهم أنهم يعلمون الغيب، وعلموهم السحر حتى فشا أمره بين الناس.
واستكمل فضيلته: وكما اتبع رؤساء اليهود السحر والشعوذة، كذلك اتبعوا ما أنزل على الرجلين الصالحين أو الملكين هاروت وماروت بمملكة بابل، فقد أنزلهما الله تعالى إلى الأرض؛ لتعليم السحر ابتلاء من الله للناس، وما يعلمان السحر من أجل السحر، وإنما من أجل إبطاله؛ ليظهرا للناس الفرق بين المعجزة والسحر، ولله أن يبتلي عباده بما شاء، كما امتحن قوم طالوت بالنهر.
زمن أظهر السحرة أمورًا وقع بسببها الشك في النبوة
وقال الشيخ عبد اللطيف، إن السحر كثُر في ذلك الزمان، وأظهر السحرة أمورًا غريبة وقع بسببها الشك في النبوة؛ فبعث الله تعالى الملكين لتعليم أبواب السحر حتى يزيلا الشبه ويميطا الأذى عن الطريق، مستطردا: ومع ذلك فقد كانا يحذران الناس من تعلم السحر واستخدامه في الأذى والضرر، وكانا إذا علما أحدًا قالا له إنما هذا امتحان من الله وابتلاء، فلا تكفر بسببه، واتق الله فلا تستعمله في الإضرار، فمن تعلمه؛ ليتوقى ضرره ويدفع أذاه عن الناس، فقد نجا وثبت على الإيمان، ومن تعلمه معتقدًا صحته ليلحق الأذى بالناس، فقد ضل وكفر .
وأضاف: فكان الناس فريقين، الأول تعلمه عن نية صالحة؛ ليدفع ضرره عن الناس، وفريق تعلمه عن نية خبيثة؛ ليفرق به بين الرجل وأهله، وبين الصديق وصديقه، ويوقع العداوة والبغضاء بين الناس، وهؤلاء خسروا دنياهم وآخرتهم؛ لأنهم عرفوا أن من تجرد لهذه الأمور المؤذية ما له في الآخرة من نصيب، ولبئسما باعوا به أنفسهم لو كان عندهم فهم وإدراك، ولو أن هؤلاء الذين يتعلمون السحر آمنوا بالله وخافوا عذابه لأثابهم الله جزاء أعمالهم مثوبة أفضل مما شغلوا به أنفسهم من هذه الأمور الضارة التي لا تعود عليهم إلا بالويل والخسار والدمار.
المقارنة بين ذكر الشياطين والسحر
وذكر الشيخ عبد اللطيف حمزة، أن المقارنة بين ذكر الشياطين والسحر في الآية الكريمة هو أن السحر فيه استعانة بأرواح خبيثة شريرة من الجن والشياطين تزعم أنها تعلم الغيب وتوهم الناس بذلك، وقد كان بعض الناس يصدقونهم فيما يزعمون ويلجئون إليهم عند الكرب؛ كما قال تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: 6]، ولهذا اشتهر السحر عن طريق الاتصال بهذه الأرواح الخبيثة، وعبر القرآن الكريم عن السحر بالكفر في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ وسياق اللفظ يدل على أن المراد منه السحر أي وما سحر سليمان، وإنما عبر عنه بالكفر تقبيحًا وتشنيعًا؛ كما قال تعالى فيمن ترك الحج مع القدرة عليه: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾.
وتابع: وفي هذا التعبير تنفير للناس من السحر، ودلالة على أنه من الكبائر الموبقات، بل هو قرين الكفر والإشراك بالله؛ ففي الحديث الصحيح قوله صلوات الله وسلامه عليه: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ» من رواية البخاري ومسلم.
هل للسحر حقيقة وتأثير في الواقع؟
أحد الأسئلة المتداولة بكثرة بين العامة من الناس، وفي إجابته اختلف العلماء في أمر السحر هل له حقيقة، أم هو شعوذة وتخييل، فذهب جمهور العلماء من أهل السنة والجماعة إلى أن السحر له حقيقة وتأثير، وذهب المعتزلة وبعض أهل السنة إلى أن السحر ليس له حقيقة في الواقع، وإنما هو خداع وتمويه وتضليل، وأنه باب من أبواب الشعوذة، وهو عندهم على أنواع:
1- التخييل والخداع.
2- الكهانة والعرافة.
3- النميمة والوشاية والإفساد.
4- الاحتيال.
ومن المؤيدين لهذا الرأي يقول: إن الساحر والمعزم لو قدرَا على ما يدعيانه من النفع والضرر وأمكنهما الطيران والعلم بالغيوب وأخبار البلدان النائية والخبيئات والسرقات والإضرار بالناس من غير الوجوه التي ذكرت لقدروا على إزالة الممالك واستخراج الكنوز والغلبة على البلدان بقتل الملوك، بحيث لا ينالهم مكروه، ولاستغنوا عن الطلب لما في أيدي الناس، فإذا لم يكن كذلك، وكان المدعون لذلك أسوأ الناس حالًا وأكثرهم طمعًا واحتيالَا وتوصلًا لأخذ دراهم الناس، وأظهرهم فقرًا وإملاقًا، علمت أنهم لا يقدرون على شيء من ذلك. واستدل الجمهور من العلماء على أن السحر له حقيقة وله تأثير بعدة أدلة منها: أ- قوله تعالى: ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف: 116]. ب- قوله تعالى: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِه﴾ [البقرة: 102]. ج- قوله تعالى: ﴿وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾ [البقرة: 102]. د- وقوله تعالى: ﴿وَمِن شَرِّ النَّفَّٰاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ [الفلق: 4].
رأي الإفتاء في السحر وحكم تعلمه وتعليمه
ومن استعراض الأدلة قالت دار الإفتاء بأن ما ذهب إليه الجمهور أقوى دليلًا، فإن السحر له حقيقة وله تأثير على النفس، فإن إلقاء البغضاء بين الزوجين والتفريق بين المرء وأهله الذي أثبته القرآن الكريم ليس إلا أثرًا من آثار السحر.
وأضافت: ولو لم يكن للسحر تأثير لما أمر القرآن بالتعوذ من شر النفاثات في العقد، ولكن كثيرًا ما يكون هذا السحر بالاستعانة بأرواح شيطانية، فنحن نقر بأن له أثرًا وضررًا ولكن أثره وضرره لا يصل إلى الشخص إلا بإذن الله، فهو سبب من الأسباب الظاهرة التي تتوقف على مشيئة مسبب الأسباب رب العالمين جل وعلا.
وفي حكم تعليمه وتعلمه، قالت دار الإفتاء بإنه قد ذهب بعض العلماء إلى أن تعلم السحر مباح بدليل تعليم الملائكة السحر للناس كما حكاه القرآن الكريم عنهم، وإلى هذا الرأي ذهب الإمام الفخر الرازي من علماء أهل السنة، وذهب الجمهور إلى حرمة تعلم السحر أو تعليمه؛ لأن القرآن الكريم قد ذكره في معرض الذم وبين أنه كفر، فكيف يكون حلالًا؟ كما أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عده من السبع الموبقات في حديثه الشريف.
جزاء الساحر
وعن جزاء الساحر، قال الإمام أبو بكر الجصاص، إن السف اتفقوا على وجوب قتل الساحر، ونص بعضهم على كفره؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ مَشَى إِلَى سَاحِرٍ أَوْ كَاهِنٍ أَوْ عَرَّافٍ فَصَدَّقَهُ فِيمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ» رواه ابن أبي شيبه في "مصنفه".
وأضاف، أن فقهاء الأمصار اختلفوا في حكمه، فروي عن الإمام أبي حنيفة أنه قال: الساحر يقتل إذا علم أنه ساحر ولا يستتاب ولا يقبل قوله: إني أترك السحر وأتوب منه، فإذا أقر أنه ساحر فقد حل دمه، وكذلك العبد المسلم والحر والذمي من أقر منهم أنه ساحر فقد حل دمه، وهذا كله قول الإمام أبي حنيفة. وروي عن الإمام مالك: في المسلم إذا تولى عمل السحر قتل ولا يستتاب؛ لأن المسلم إذا ارتد باطنًا لم تعرف توبته بإظهاره الإسلام، فأما ساحر أهل الكتاب فإنه لا يقتل عند الإمام مالك إلا أن يضر المسلمين فيقتل. وقال الإمام الشافعي: لا يكفر بسحره، فإن قتل بسحره وقال: سحري يقتل مثله وتعمدت ذلك قتل قودًا، وإن قال: قد يقتل وقد يخطئ لم يقتل وفيه الدية. وقال الإمام أحمد: يكفر بسحره قتل به أو لم يقتل، وهل تقبل توبته؟ على روايتين، فأما ساحر أهل الكتاب فإنه لا يقتل إلا أن يضر المسلمين.
الخلاصة
وأجملت دار الإفتاء الإجابة عن سؤال عن حقيقة السحر حيث قالت: إن المسلم ذا العقيدة السليمة يعلم تمام العلم أن النافع الضار هو الله، وأنه هو المسخر للكون ببديع حكمته وعظيم قدرته، وأن المسلم المتفقه في دينه والباحث الدارس لا ينفي وجود السحر السابق للأدلة التي وردت في صدر البحث، وأن على المسلم أن يكون قوي الإيمان مستعينًا بالله في الملمات والشدائد.
واختتمت: أن الساحر قد يستطيع إيصال الضر والبلاء والأذى بالناس، وقد يصل بذلك إلى التفريق بين المرء وزوجه، ولكنه لا يستطيع أن يفعل شيئًا إلا بإذن الله تعالى، والمسلم الذي لا يؤمن بالسحر لا يؤثر ذلك في إسلامه، فقد وردت الآراء في حكم السحر. هذا هو شرع الله الحكيم وبيان للمسلم عما يجب اعتقاده
ويتساءل الكثيرون عن حقيقة السحر، وما رأي الدين فيه، هل هو حقيقة أم خرافة؟ وفي هذا التقرير يرصد لكم" سبوت" رأي الدين في السحر والسحرة، كما يُبين التقرير حكم تعليم السحر وتعلمه، وأيضا جزاء الساحر.
رأي الدين في السحر والسحرة
في البداية قال الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية السابق، أن الله ذَكر السحرَ في أكثر من موضع في القرآن الكريم، كما ورد ذكره في السُنَّة المطهَّرة، وثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، صنع له لبيدُ بن الأعصم سحرًا، يقول الله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾ [البقرة: 102]. ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات" رواه البخاري، وعَدَّ منها السحر.
وأضاف: ذكر العلماء أن جمهور المسلمين على إثبات السِّحر، وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة، وكون السحر له حقيقة ثابتة لا يعني كونه مؤثرًا بذاته ولكن التأثير هو لله تعالى وحده؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾. فقد نفى الله -عز وجل- عن السحر التأثير الذاتي ومفعوله، ونتيجته منوطة بإذن الله تعالى، ولا تتجاوز حقيقته حدودًا معينة، ولا يمكن أن يتوصل إلى قلب الحقائق وتبديل جواهر الأشياء.
هل الشياطين هي من تِعلم الناس السحر؟
وتابع د. نصر فريد واصل قائلا: ولقد وصف الله سحر سحرة فرعون بأنه تخييل في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ [طه: 66]، أي إن الحبال لم تنقلب في الحقيقة إلى ثعابين، وإنما خُيِّل ذلك للمشاهدين، ومن الآيات الكريمة نفهم أن الشياطين هم الذين يعلِّمون الناس السحر، وأن تعلم السحر ضارٌّ وليس بنافع، ويَحرُم على الإنسان أن يتعلم السِّحر أو الشعوذة لخداع الناس أو إضلالهم أو فتنتهم أو التأثير السيئ فيهم، كما يَحرُم على الإنسان أن يعتقد أن العراف أو المشعوذ أو الساحر هو الذي ينفعه أو يضره؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" رواه أبو داود والطبراني.
واختتم قائلا: وبناء على ما ذُكر فإنه يجب الاعتقاد بأن كل شيء بقضاء الله تعالى، ولا يقع في ملكه تعالى إلا ما يريده، فيجب الإيمان بأن الله فعال لما يريد، والنفع والضرر من عنده، وتفويض الأمر لله، والرضا بما قضى به، ولو كان ثمة من يوثَق به في رفع هذا المرض فلا بأس به. وننصح السائلة وأختها أن تقوي صلتها بالله، وأن تكون دائمًا في ذكر الله وذلك بالصلاة وقراءة القرآن والاستغفار، وعدم اللجوء إلى الدجالين والمشعوذين فإن ذلك انحراف عن الطريق المستقيم.
وجود السحر والإضرار بالناس
وعن تعريف السحر قال فضيلة الشيخ عبد اللطيف عبد الغني حمزة من علماء الأزهر الشريف، إن السحر في اللغة كل ما لطف مأخذه ودق وخفي، وقالوا سحره، وسحره بمعنى خدعه وعلله، وفي الحديث الصحيح: "إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا"، والسحر بالفتح وبالتحريك الرئة، وهي أصل هذه المادة، والرئة في الباطن، فما لطف مأخذه ودق صنعه حتى لا يهتدي إليه غير أهله فهو باطن خفي، ومنه الخداع وهو أن يظهر لك شيئًا غير الواقع في نفس الأمر، فالواقع باطن خفي، وقد وصف الله السحر في القرآن بأنه تخييل يخدع الأعين، فيريها ما ليس بكائن كائنًا؛ فقال تعالى ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ [طه: 66]. والكلام في حبال السحرة وعصيهم، وفي آية أخرى: ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ﴾ [الأعراف: 116].
ولفت إلي أن ذلك يدل على أن السحر إما حيلة وشعوذة، وإما صناعة علمية خفية يعرفها بعض الناس ويجهلها الأكثرون، فيسمون العمل بها سحرًا؛ لخفاء سببه ولطف مأخذه، ويمكن أن يعد منه تأثير النفس الإنسانية في نفس أخرى لمثل هذه العلة، وقد قال المؤرخون إن سحرة فرعون استعانوا بالزئبق على إظهار الحبال والعصي بصور الحيات والثعابين وتخيل أنها تسعى.
التأثيرات النفسية صناعة ووسيلة للكسب
واستطرد فضيلته: وقد اعتاد الذين اتخذوا التأثيرات النفسية صناعة ووسيلة للمعاش أن يستعينوا بكلام مبهم وأسماء غريبة، اشتهر عند الناس أنها من أسماء الشياطين وملوك الجان، وأنهم يحضرون إذا دعوا بها، ويكونون مسخرين للداعي، ولمثل هذا الكلام تأثير في إثارة الوهم عرف بالتجربة، وسببه اعتقاد الواهم أن الشياطين يستجيبون لقارئه، ويطيعون أمره، ومنهم من يعتقد أن فيه خاصية التأثير وليس فيه خاصيته، وإنما تلك العقيدة الفاسدة تفعل في النفس الواهمة ما يغني منتحل السحر عن توجيه همته وتأثير إرادته، وهذا هو السبب في اعتقاد الدهماء أن السحر عمل يستعان عليه بالشياطين وأرواح الكواكب.
وعن موقف الشريعة من السحر قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ۞ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ۞ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 101-103].
كيف ابتلى الله الناس بتعلم السحر؟
وبين الشيخ عبداللطيف المعنى الإجمالي للآيات بقوله: يخبر المولى عز وجل أن أحبار اليهود وعلماءهم نبذوا كتابه الذي أنزله على عبده ورسوله موسى عليه السلام وهو التوراة، كما نبذ أحفادهم الكتاب الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو القرآن، مع أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جاء مصدقًا لما بين أيديهم من التوراة، فلا عجب أن يكون الأحفاد مثل الأجداد في الاستكبار والعناد، فهؤلاء ورثوا عن أسلافهم البغي والإفساد والعناد، لقد نبذ أولئك كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون أنه كتاب الله المنزل على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، واتبعوا طرق السحر والشعوذة التي كانت تحدثهم بها الشياطين في عهد ملك سليمان، وما كان سليمان عليه السلام ساحرًا ولا كفر بتعلمه السحر، ولكن الشياطين هم الذين وسوسوا إلى الإنس وأوهموهم أنهم يعلمون الغيب، وعلموهم السحر حتى فشا أمره بين الناس.
واستكمل فضيلته: وكما اتبع رؤساء اليهود السحر والشعوذة، كذلك اتبعوا ما أنزل على الرجلين الصالحين أو الملكين هاروت وماروت بمملكة بابل، فقد أنزلهما الله تعالى إلى الأرض؛ لتعليم السحر ابتلاء من الله للناس، وما يعلمان السحر من أجل السحر، وإنما من أجل إبطاله؛ ليظهرا للناس الفرق بين المعجزة والسحر، ولله أن يبتلي عباده بما شاء، كما امتحن قوم طالوت بالنهر.
زمن أظهر السحرة أمورًا وقع بسببها الشك في النبوة
وقال الشيخ عبد اللطيف، إن السحر كثُر في ذلك الزمان، وأظهر السحرة أمورًا غريبة وقع بسببها الشك في النبوة؛ فبعث الله تعالى الملكين لتعليم أبواب السحر حتى يزيلا الشبه ويميطا الأذى عن الطريق، مستطردا: ومع ذلك فقد كانا يحذران الناس من تعلم السحر واستخدامه في الأذى والضرر، وكانا إذا علما أحدًا قالا له إنما هذا امتحان من الله وابتلاء، فلا تكفر بسببه، واتق الله فلا تستعمله في الإضرار، فمن تعلمه؛ ليتوقى ضرره ويدفع أذاه عن الناس، فقد نجا وثبت على الإيمان، ومن تعلمه معتقدًا صحته ليلحق الأذى بالناس، فقد ضل وكفر .
وأضاف: فكان الناس فريقين، الأول تعلمه عن نية صالحة؛ ليدفع ضرره عن الناس، وفريق تعلمه عن نية خبيثة؛ ليفرق به بين الرجل وأهله، وبين الصديق وصديقه، ويوقع العداوة والبغضاء بين الناس، وهؤلاء خسروا دنياهم وآخرتهم؛ لأنهم عرفوا أن من تجرد لهذه الأمور المؤذية ما له في الآخرة من نصيب، ولبئسما باعوا به أنفسهم لو كان عندهم فهم وإدراك، ولو أن هؤلاء الذين يتعلمون السحر آمنوا بالله وخافوا عذابه لأثابهم الله جزاء أعمالهم مثوبة أفضل مما شغلوا به أنفسهم من هذه الأمور الضارة التي لا تعود عليهم إلا بالويل والخسار والدمار.
المقارنة بين ذكر الشياطين والسحر
وذكر الشيخ عبد اللطيف حمزة، أن المقارنة بين ذكر الشياطين والسحر في الآية الكريمة هو أن السحر فيه استعانة بأرواح خبيثة شريرة من الجن والشياطين تزعم أنها تعلم الغيب وتوهم الناس بذلك، وقد كان بعض الناس يصدقونهم فيما يزعمون ويلجئون إليهم عند الكرب؛ كما قال تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: 6]، ولهذا اشتهر السحر عن طريق الاتصال بهذه الأرواح الخبيثة، وعبر القرآن الكريم عن السحر بالكفر في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ وسياق اللفظ يدل على أن المراد منه السحر أي وما سحر سليمان، وإنما عبر عنه بالكفر تقبيحًا وتشنيعًا؛ كما قال تعالى فيمن ترك الحج مع القدرة عليه: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾.
وتابع: وفي هذا التعبير تنفير للناس من السحر، ودلالة على أنه من الكبائر الموبقات، بل هو قرين الكفر والإشراك بالله؛ ففي الحديث الصحيح قوله صلوات الله وسلامه عليه: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ» من رواية البخاري ومسلم.
هل للسحر حقيقة وتأثير في الواقع؟
أحد الأسئلة المتداولة بكثرة بين العامة من الناس، وفي إجابته اختلف العلماء في أمر السحر هل له حقيقة، أم هو شعوذة وتخييل، فذهب جمهور العلماء من أهل السنة والجماعة إلى أن السحر له حقيقة وتأثير، وذهب المعتزلة وبعض أهل السنة إلى أن السحر ليس له حقيقة في الواقع، وإنما هو خداع وتمويه وتضليل، وأنه باب من أبواب الشعوذة، وهو عندهم على أنواع:
1- التخييل والخداع.
2- الكهانة والعرافة.
3- النميمة والوشاية والإفساد.
4- الاحتيال.
ومن المؤيدين لهذا الرأي يقول: إن الساحر والمعزم لو قدرَا على ما يدعيانه من النفع والضرر وأمكنهما الطيران والعلم بالغيوب وأخبار البلدان النائية والخبيئات والسرقات والإضرار بالناس من غير الوجوه التي ذكرت لقدروا على إزالة الممالك واستخراج الكنوز والغلبة على البلدان بقتل الملوك، بحيث لا ينالهم مكروه، ولاستغنوا عن الطلب لما في أيدي الناس، فإذا لم يكن كذلك، وكان المدعون لذلك أسوأ الناس حالًا وأكثرهم طمعًا واحتيالَا وتوصلًا لأخذ دراهم الناس، وأظهرهم فقرًا وإملاقًا، علمت أنهم لا يقدرون على شيء من ذلك. واستدل الجمهور من العلماء على أن السحر له حقيقة وله تأثير بعدة أدلة منها: أ- قوله تعالى: ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف: 116]. ب- قوله تعالى: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِه﴾ [البقرة: 102]. ج- قوله تعالى: ﴿وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾ [البقرة: 102]. د- وقوله تعالى: ﴿وَمِن شَرِّ النَّفَّٰاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ [الفلق: 4].
رأي الإفتاء في السحر وحكم تعلمه وتعليمه
ومن استعراض الأدلة قالت دار الإفتاء بأن ما ذهب إليه الجمهور أقوى دليلًا، فإن السحر له حقيقة وله تأثير على النفس، فإن إلقاء البغضاء بين الزوجين والتفريق بين المرء وأهله الذي أثبته القرآن الكريم ليس إلا أثرًا من آثار السحر.
وأضافت: ولو لم يكن للسحر تأثير لما أمر القرآن بالتعوذ من شر النفاثات في العقد، ولكن كثيرًا ما يكون هذا السحر بالاستعانة بأرواح شيطانية، فنحن نقر بأن له أثرًا وضررًا ولكن أثره وضرره لا يصل إلى الشخص إلا بإذن الله، فهو سبب من الأسباب الظاهرة التي تتوقف على مشيئة مسبب الأسباب رب العالمين جل وعلا.
وفي حكم تعليمه وتعلمه، قالت دار الإفتاء بإنه قد ذهب بعض العلماء إلى أن تعلم السحر مباح بدليل تعليم الملائكة السحر للناس كما حكاه القرآن الكريم عنهم، وإلى هذا الرأي ذهب الإمام الفخر الرازي من علماء أهل السنة، وذهب الجمهور إلى حرمة تعلم السحر أو تعليمه؛ لأن القرآن الكريم قد ذكره في معرض الذم وبين أنه كفر، فكيف يكون حلالًا؟ كما أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عده من السبع الموبقات في حديثه الشريف.
جزاء الساحر
وعن جزاء الساحر، قال الإمام أبو بكر الجصاص، إن السف اتفقوا على وجوب قتل الساحر، ونص بعضهم على كفره؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ مَشَى إِلَى سَاحِرٍ أَوْ كَاهِنٍ أَوْ عَرَّافٍ فَصَدَّقَهُ فِيمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ» رواه ابن أبي شيبه في "مصنفه".
وأضاف، أن فقهاء الأمصار اختلفوا في حكمه، فروي عن الإمام أبي حنيفة أنه قال: الساحر يقتل إذا علم أنه ساحر ولا يستتاب ولا يقبل قوله: إني أترك السحر وأتوب منه، فإذا أقر أنه ساحر فقد حل دمه، وكذلك العبد المسلم والحر والذمي من أقر منهم أنه ساحر فقد حل دمه، وهذا كله قول الإمام أبي حنيفة. وروي عن الإمام مالك: في المسلم إذا تولى عمل السحر قتل ولا يستتاب؛ لأن المسلم إذا ارتد باطنًا لم تعرف توبته بإظهاره الإسلام، فأما ساحر أهل الكتاب فإنه لا يقتل عند الإمام مالك إلا أن يضر المسلمين فيقتل. وقال الإمام الشافعي: لا يكفر بسحره، فإن قتل بسحره وقال: سحري يقتل مثله وتعمدت ذلك قتل قودًا، وإن قال: قد يقتل وقد يخطئ لم يقتل وفيه الدية. وقال الإمام أحمد: يكفر بسحره قتل به أو لم يقتل، وهل تقبل توبته؟ على روايتين، فأما ساحر أهل الكتاب فإنه لا يقتل إلا أن يضر المسلمين.
الخلاصة
وأجملت دار الإفتاء الإجابة عن سؤال عن حقيقة السحر حيث قالت: إن المسلم ذا العقيدة السليمة يعلم تمام العلم أن النافع الضار هو الله، وأنه هو المسخر للكون ببديع حكمته وعظيم قدرته، وأن المسلم المتفقه في دينه والباحث الدارس لا ينفي وجود السحر السابق للأدلة التي وردت في صدر البحث، وأن على المسلم أن يكون قوي الإيمان مستعينًا بالله في الملمات والشدائد.
واختتمت: أن الساحر قد يستطيع إيصال الضر والبلاء والأذى بالناس، وقد يصل بذلك إلى التفريق بين المرء وزوجه، ولكنه لا يستطيع أن يفعل شيئًا إلا بإذن الله تعالى، والمسلم الذي لا يؤمن بالسحر لا يؤثر ذلك في إسلامه، فقد وردت الآراء في حكم السحر. هذا هو شرع الله الحكيم وبيان للمسلم عما يجب اعتقاده
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية