تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : أكل وسمر وونسة.. مائدة إفطار السودانيين في مصر حلقة اجتماعية لتعزيز الترابط
source icon

سبوت

.

أكل وسمر وونسة.. مائدة إفطار السودانيين في مصر حلقة اجتماعية لتعزيز الترابط

كتب:محمد أبوشنب

تلقيت دعوة كريمة، من جاري الذي يقطن في الشقة المجاورة لشقتي في أحد شوارع حي من أحياء الجيزة، لتناول وجبة الإفطار على مائدة أسرته، لعلمه أن زوجتي وأبنائي يقضون بعض أيام لدى أقاربنا.

حاولت في بادئ الأمر الاعتذار عن تلبية الدعوة، لكن جاري "معتصم"،  الذي تربطني به وبأسرته علاقة طيبة للغاية منذ نحو عامين هي عمر جيرتنا، لم يقبل اعتذاري، وإمعانا في تشجيعي على قبول الدعوة، أخبرني أن السيدة زوجته ستعد طعاما شعبيا سودانيا مرتبطا بشهر الصيام لدى أبناء وطنه .

وبالفعل لبيت الدعوة، ووجدت مائدة كبيرة تراصت عليها العديد من الأطباق، واتخذت موقعي استعدادا لتناول الطعام، بين أسرة جاري، رحت أتطلع للأطباق المتراصة أمامي، وأنا في حيرة فأنا لا أعرف مكونات أي منها أو حتى أسمائها.

لاحظ جاري حيرتي، فراح يشير إلى كل طبق باسمه، وهو يقول "عصيدة"، "جراصة"، "العدسية"، "الرقاق"، "ملاح التقلية"،  "ملاح الروب"، "الكسرة"، "الأرز باللبن"، أما المشروبات، فمنها "الحلو مر"، و"الآبريه النوبي"

العصيدة

ووفقًا للسيدة "خديجة"، وهي زوجة جاري، فالعصيدة، تصنع من (اللبن الرائب أو كوب من الزبادي مع قليل من الماء والملح، بالاضافة إلى دقيق القمح أو الذرة)، وعند إعدادها يتم خلط هذه المكونات مع بعضها البعض، ثم توضع على نار هادئة حتى تصل إلى درجة من التماسك والتجانس، ثم تصب بعد ذلك في قوالب أو أطباق صغيرة أو كبيرة على حسب العدد والحاجة، ولكن بعد مسح هذه الأطباق أولًا بقليل من الزيت، ويفضل زيت الزيتون، ثم تترك قليلًا حتى تبرد وتأخذ شكل القالب الذى توضع فيه، ومن ثم يتم تقديمها على المائدة الرمضانية مع اضافة أي نوع من الملحات السودانية المعروفة (كملاح التقلية، أو ملاح الروب، أو ملاح النعيمية)، وهنا تأخذ العصيدة اسم آخر مع أيًا من هذه الاضافات (كالعصيدة بملاح التقلية، أو العصيدة بملاح الروب، أو العصيدة بملاح النعيمية).

الجُراصة

أما "الجُراصة"، وهي من المعجّنات الخفيفة، كما وصفتها زوجة "مُضيفي"، فتعجن قبل أن تخبز على صاج معدني دائري الشكل، وتتكون من (دقيق القمح الأبيض، الماء، وقليل من الملح، الخميرة)،  ثم تقدم بعد ذلك بجانب الأطباق الأخرى الشهية على المائدة الرمضانية، وقد يضاف إليها "الدمعة" غالبًا، فتعرف في هذه الحالة بـ "قراصة الدمعة"، هي عبارة عن اضافة ملاح الدمعة على قطع القراصة بعد تجهيزها، ويمكن تناولها أيضًا مع جميع أنواع اللحوم.

الرقاق

ولا تخلو المائدة الرمضانية السودانية من "الرقاق"، لذا يقدم كوجبة رئيسية سواء في الإفطار أو السحور، وغالبًا ما يضاف إليه (اللحم المفروم، والبصل، والفلفل، والسمن)، أو يضاف إليه الحليب (البارد أو الساخن) مع القليل من السكر على حسب.

مُلاح التقلية

ويعد هذا النوع من أشهر مُلحات العصيدة السودانية، وهو يتكون من (قطع من البصل، اللحمة المجففة أو المفرومة، الطماطم أو الصلصة، والويكة "البامية الجافة") مضافًا إلى هذه المكونات (البهارت، والثوم، والملح)، وكما شرحت لي السيدة خديجة، يتم إعداده عن طريق قطع البصل إلى قطع صغيرة أو يكون مفرومًا، ليوضع بعد ذلك على النار مع اضافة القليل من الملح والماء، ومع التقليب المستمر توضع اللحمة المفرومة وتترك قليلًا حتى تنضج، ثم يضاف إليها صلصة الطماطم والبهارات، وبعدها توضع الويكة والثوم، ثم تترك قليلًا على النار.

مُلاح الروب

ويعد هذا نوعًا آخر من ملحات العصيدة كما قالت زوجة جاري، ومنه نوعان أحدهما يعرف بـ "الروب الأحمر"، أما الآخر فيعرف بـ "الروب الأبيض"، ويختلف الثاني عن الأول بحموضته اللاذعة، وهو يتكون من زبدة الفول السوداني المعروفة بـ "الدكوة"، وقطع من البصل، واللحم المفروم على حسب الرغبة، والدقيق الأبيض، صلصلة الطماطم أو المقطعة، كوب من اللبن الرائب أو الزبادي)، بالاضافة إلى البهارات والملح، وتقدم هذه الوجبة ساخنة مع العصيدة.

الكِسره

وهى أحد أنواع الخبز الشعبي المحبوب لدى معظم الأشقاء السودانيين، وتتكون من (دقيق القمح، مضافًا إليه الخميرة والزبادي)، وأحيانًا القليل من الملح أو السكر، ويتم خلط هذه المكونات بالماء، ثم توضع على صاج معدني دائري الشكل، ثم تقدم على المائدة الرمضانية، وترتبط (الكسره) بالملاحات المشار إليها مسبقًا، على الرغم من أنها صالحة للأكل مع الطبائخ الأخرى المالحة و الحلوة.

عادة متوارثة

ولا تختلف عادات السودانيين في مصر خلال الشهر الكريم،  عن عادات غيرهم من الشعوب العربية الأخرى، ويعد الإفطار الجماعي واحدة من أبرز عاداتهم في الشهر المبارك، مهما كانت مائدة الإفطار الرمضانية صغيرة أو كبيرة، ومهما كانت مقامة في المنزل أو خارجه، كما أكد أحمد عبدالله الشاب السوداني الذي جاء لزيارة أسرة جاري،  موضحا ضرورة أن يضم الإفطار الجماعي، الأهل والأصدقاء على طاولة واحدة.

وأشار إلى أن هذا التجمع، عادة متوارثة تنتقل عبر الأجيال جيلًا بعد جيل، وتتلاءم وتنسجم أيضًا مع ظروف المكان والزمان معًا على حدًا سواء، وأن تؤدي بالتالي وظيفة اجتماعية معينة لدى أبناء المجتمع الذين اعتادوا على أدائها وممارستها.

حلقة اجتماعية

ويحرص أبناء الشعب السوداني الشقيق – في العموم - على الحفاظ بثقافتهم الخاصة أينما كانوا، وتأتي عملية الحفاظ من خلال استمرارية أداء وممارسة كافة الموروثات الثقافية، مادية أكانت أم غير مادية، وهذا ما يمكن ملاحظته بوضوح في ارتداء أزيائهم التقليدية المميزة، سواء في الأيام العادية أو في المناسبات والاحتفالات، فالجلباب الأبيض يتميز به الرجل السوداني، كما تتميز المرأة السودانية أيضًا بالتوب، وعند الإفطار نجد معظم السودانيين - رجالًا ونساء - يرتدون هذا الزي التقليدي، اعتزازًا بجزء أصيل من ثقافتهم التي ينتمون إليها.

والمائدة الرمضانية التي يجتمع عليها أبناء الشعب السوداني أثناء لحظة الإفطار والسحور، ليست مخصصة فقط لتناول الأطعمة التقليدية المعتادة في السودان، ولكنها تعد بمثابة حلقة اجتماعية - ثقافية تزداد فيها روح التكافل الاجتماعي والترابط لتعزيز العمل الجماعي المشترك، فالجميع يتعاون ويشارك في تقديم حفل الإفطار، وبعد تناول الإفطار تدار جلسات السمر والونسة (تبادل الحديث) بين الكبير والصغير حول مختلف الموضوعات الاجتماعية والثقافية، كحوار مجتمعي يجمع أبناء الشعب الواحد على مائدة واحدة، فأصبحت عادة يعتز بها الأِقاء في السودان ويحافظون عليها بصورة دائمة حتى على نطاق التجمعات المحدودة خارج البلاد.




 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية