تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
مشاكل عمال التوصيل رحلة ممتدة على طريق محفوف بالتحديات.. ضحى محمد نموذجًا
مثلما تسقط نقطة الماء العذب في قلب المحيط، فتذوب في ملوحته وتتطبع بطباع بيئته، حتى تتلاشى بلا وجود لها، كان القريبون من ضحى يخافون عليها من غروب قريب، لأن حداثة سنها ربما تجعل منها فريسة سهلة المنال للطامعين في فتاة صغيرة، أو تقع ضحية إحدى عمليات النصب، خاصة أن غيرها من الشباب الذكور تعرضوا لمواقف كانت هي الفيصل بينهم وبين مهنة "الدليفري"، لذلك ترقب المحيطون بها سرعة انهيارها، وتراجعها دون تفكير عند ناصية أول مفترق طريق يبعد عن منزلها بضع أمتار فقط.
ولكن ضحى محمد ابنة الـ28 عامًا، لم تكن تلقي بالًا لكل هذه الآراء والمخاوف، حاربت جاهدة ليس من أجل لقمة العيش فقط، ولكن لتحقيق حلمها وحلم مثيلاتها من الفتيات الخريجات، وربما غير المتعلمات الباحثات عن فرصة عمل.
الدليفري.. فرصة عمل شاقة
مهنة الدليفري أو التي يطلق عليها اصطلاحًا "الطيارين" يعمل بها آلاف من الشباب مع اتساع التسوق الإلكتروني أو عبر الهاتف، وزيادة تقديم تلك الخدمة في معظم الأنشطة التجارية وغيرها، فاليوم لم يعد الدليفري مقتصرًا على فئة بعينها من المستهلكين أو منطقة دون الأخرى، وهو ما أغرى الشباب بالعمل في تلك المهنة بحثًا عن وظيفة تلبي لهم متطلبات أسرهم، حتى إن بعضهم يشتري لنفسه وسيلة تنقل "فيسبا أو سكوتر" ليغري صاحب العمل بقبوله دون أن يكلفه أموال وسيلة التنقل.
لم تكن تلك المهنة، مهمة سهلة بالنسبة لضحى محمد، خريجة معهد حاسبات وسكرتارية، التي تترك أسرتها في مطلع كل صباح بمدينة الخصوص إحدى المناطق الشعبية القديمة في محافظة القليوبية، لتجوب شوارع القاهرة الكبرى وحيدة دون وسيلة أمان في شوارعها المكتظة بالسائقين المتهورين والبشر الطامعين، تطرق أبواب الغرباء الذين تجمعها بهم مكالمة هاتفية دون سابق معرفة.
متطلبات وطلبات لا غنى عنها
يحتاج العاملون في هذه المهنة التي أصبح لا غنى عنها بالنسبة للناس إلى عدد من المتطلبات والتي تمثلت أبرزها بحسب ما جاء على لسان ضحى وهي الأخت الثالثة بين 3 بنات، في إيجاد نقابة خاصة بالعاملين في مهنة "الطيارين" تكون بالنسبة لهم مصدر دعم وحماية، وهم ليسوا بالعدد القليل - لم تصدر إحصائية رسمية بأعدادهم- لتجنبهم خسائر طائلة لغالبيتهم عندما يتعرضون لحادث طريق ينتج عنها إتلاف ما يحملونه أو تعرضهم لعمليات النصب والتي أصبحت كثيرة مؤخرًا.
تطبيق إلكتروني تحت مظلة نقابة قانونية
البعض من الطيارين يعملون لدى منشآت أو محال معروفة تؤمن عليهم، ولكن شريحة كبيرة منهم اتخذت من صفحات السوشال ميديا منفذًا للترويج لنفسه بشكل منفرد حتى لا يكون فريسة لأصحاب المحال أو المنشآت المستغلة التي يعمل لديها براتب يأتيه من الإكراميات "التيبس"، وبالتالي فهذه الشريحة اختارت المكسب الشخصي دون النظر إلى العواقب، وهنا تجد ضحى محمد أنه من الممكن عمل تطبيق إلكتروني تحت مظلة نقابة قانونية توزع بينهم المهام وتحفظ مستحقاتهم وتراقب تحركاتهم حماية لهم.
وكأنها تتذكر شخصًا آخر، وصفت ضحى مهنة الدليفري بأنها تنتهي إما بالتقدم في العمر أو الإصابة في حادث سير، فمنذ 4 سنوات بدأت رحلتي معها قائلة: "كنت هادئة جدًا وصوتي منخفض، أصبحت اجتماعية بعد أن كنت انطوائية، بالفعل اليوم أصبحت شخصية أخرى".
رحلة إلى مصير مجهول
ما بين صريع تحت عجلات سيارة مسرعة ، وبين آخر انهار به منزل أثناء تأدية مهمته، لا يخلو يوم من مأساة بطلها عامل دليفري على مستوى مصر كلها، فأخبار الحوادث تصدر ليل نهار لتكون بمثابة جرس إنذار بضرورة الانتباه لشهداء لقمة العيش من "الطيارين"، فبعضهم ترك أسرته بلا عائل أو نفقات تغنيهم السؤال، لعل أبرز تلك الحوادث هو عامل الدليفرى، الذي لقي مصرعه، أعلى كوبرى القصبجى فى منطقة المنيب بالجيزة، خلال توصيل أحد الطلبات قبل أيام من عقد قرانه بعد أن تركه السائق - يسير عكس الاتجاه-، ينزف وفر هاربا بسيارته.
عامل الدليفري والتنمر عرض مستمر
لا يخلو الشارع من المتنمرين على عمال الدليفري، فكانت تلك الفتاة التي ربما تكون الوحيدة وسط قلة تستطيع عدها على أصابع اليد الواحدة، أحد ضحايا التنمر، تعرضت إلى العديد من المضايقات في الشارع، من معاكسات وانتقاد لفتاة تمتطي ظهر سكوتر وتناطح السيارات والموتوسيكلات في الشارع، وهو ما أزعج الشباب من الذكور، ناصحة كل الفتيات بألا يلقين بالًا لما سيواجهنه في الشوارع طالما قررن الخروج إلى العمل.
وسائل الأمان والمجهول المخيف
بعض العاملين في مهنة الدليفري يخشون تسليط الضوء على مشاكلهم خوفًا من التفات مصلحة الضرائب لهذه الفئة، ولكن ضحى تطرح تساؤلا مهمًا: "كيف تفرض علينا الدولة ضريبة ونحن لا يتعدى أجرنا 20 جنيهًا على التوصيلة، قائلة: "عندما تعرضت لحادث وجلست مجبرة في المنزل لم أجد من يقدم لي يد العون، فقد أنفقت كل مدخراتي على علاجي طوال فترة تواجدي في المنزل"، لذلك فلا مانع من فرض ضريبة بسيطة إذا توافر مقابلها تأمين صحي أو تأمين ضد الحوادث.
«أصعب اللحظات إللي بيخاف منها دليفري بنت أو شاب إن الإسكوتر أو الموتوسيكل يعطل أو يفصل بنزين أو يقف فجأة».. حرفيًا ببقى بتشاهد وبشكر ربنا لما بخلص طريق فاضي أو شكله يخوف، طبعًا في الأول كنت أرتعش وبموت من الخوف، بس دلوقتي نسبيًا بقيت متعودة وماسكة نفسي ومتوقعة أي حاجه، وربنا يسترها ويحفظ كل دليفري شقيان بيلف في الشوارع على عجلتين.
صراع مع الوقت ورضا العملاء
تتمنى ويحقق "الطيار" أمنياتك وأنت متكئ على أريكتك أو مستندا إلى ظهر كرسي في مكتبك المكيف، وكأنه مارد مطلوب منه تجاوز الصعاب في الشوارع، دائما ما يكون في صراع مع الوقت لينال رضاك ، قد لا ينتظر إكرامية لأن غالبية الناس لا تمنحهم إياها رغم حاجتهم إليها.
عمال «الدليفري» يتعرضون لكثير من الحوادث والمضايقات من الزبائن، بخلاف عملهم على الدراجة البخارية، وتعرضهم للشمس صيفًا أو البرودة شتاء، موضحة أن من ضمن المضايقات التى يلقونها من الزبائن، أنه يوجد بعض الزبائن إذا تأخر عليه سائق الدليفري بالطعام يقوم برده وعدم تسلم الأكل منه، مع العلم أن العامل يكون مضطرًا.
مهنة غير رسمية
يصل عدد العاملين في المهن غير المنتظمة في مصر إلى أكثر من ١٥ مليون عامل - بحسب الإحصاء الأخير لوزارة القوى العاملة- تلك المهن تعاني من مشكلات عديدة، منها عدم الأمان أو الاستقرار العملي والوظيفي، لأن معظم هذه العمالة يعمل في قطاعات غير رسمية.
هناك مهن لا يوجد لها أي مستندات أو أوراق على أرض الواقع، ووزارة القوى العاملة لا تملك السيطرة عليها في ظل وجود كثيرين يتحايلون على القانون ويهربون منه بطريقة أو أخرى، لذلك فمن مصلحة جميع الأطراف أن يكون هناك تنظيم نقابي قوي، يعبر عن العمال ويحفظ حقوقهم من أي شخص يقوم بتهميش وتجاهل حقوقهم.
لقمة العيش لا تعرف الإحباط
أمسكت ضحى محمد بذراع الإسكوتر وكأنها تمنح لنفسها الثقة أولًا قبل أن تختتم كلامها في رسالة للفتيات عاملات الدليفري: "أوعي تتعقدي ولا تحبطي ولا تعيطي ولا تقولي ليه بيتقالي كدا، وليه شايفيني وحشة ولسه بيشتموني.. متسائلة: هي الناس دي تعرف أنا تعبت إزاي علشان اشتري سكوتر أو إيه الدافع إللي خلاني أشتغل في مناخ صعب كدا؟.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية