تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > حاتم الدالي > ما بين الشورى والشيوخ.. سلطة ضائعة أم دور مؤجل ؟

ما بين الشورى والشيوخ.. سلطة ضائعة أم دور مؤجل ؟

تتقاطع الذاكرة السياسية مع ملامح الحاضر، ويُطل علينا مجلس الشيوخ في لحظة مفصلية من عمر الدولة المصرية، ذلك الكيان التشريعي العائد بمسمى قديم وأدوار جديدة ليعيد إلى الأذهان تساؤلات جوهرية:
ما الفرق بينه وبين مجلس الشورى الذي غادر الحياة البرلمانية قبل أكثر من عقد؟
هل هو امتداد رمزي لتاريخ انتهى أم كيان مؤسسي يحمل رؤية تتجاوز فكرة الاستشارة إلى صناعة القرار؟

إن العودة إلى المقارنة بين “مجلس الشورى” في ظل دستور 1971 و”مجلس الشيوخ” في ظل دستور 2014 تكشف عن فارق جوهري لا يمكن إنكاره: من حيث الاختصاص، الدور، والصلاحيات ، وما بين تاريخ ألغي ونظام تشريعي يعاد تشكيله، تظل الحقيقة الأكثر لفتًا للنظر أن مجلس الشيوخ اليوم، ورغم كونه استحقاقًا دستوريًا، لا يزال في منطقة الظل برلمانيًا، بين سقف طموحات منخفض وحدود اختصاصات ضيقة.
 

وفي تقديري هناك فرق شاسع بين “الشورى 2007” و”الشيوخ 2020” ، وعند الحديث عن الغرفة الثانية في البرلمان المصري، يتبادر إلى الذهن فورًا السؤال : هل ما نشهده اليوم هو مجرد إعادة إنتاج لمجلس الشورى الذي وُجد في ظل دستور 1971، أم أننا بصدد تجربة جديدة تمامًا تحمل أهدافًا مغايرة في إطار دستوري مختلف؟

لقد أُنشئ مجلس الشورى عام 1980 كغرفة استشارية، لا يملك صلاحيات رقابية فعلية، بل كان يُعرض عليه بعض مشروعات القوانين، خاصة تلك المرتبطة بتطبيقات الدستور والقوانين المكملة له ، وبموجب التعديلات الدستورية التي أُجريت في عام 2007 على دستور 1971، شهد المجلس توسعًا في اختصاصاته، حيث أصبح يُحال إليه معظم مشروعات القوانين لإبداء الرأي.

كان للرئيس صلاحية إحالة القوانين إليه، وإذا رفض المجلس مشروع قانون ما، لم يكن بإمكان مجلس الشعب إقراره دون العودة إلى الشورى وعقد جلسة مشتركة للفصل في الخلاف، مما أضفى عليه وزناً سياسياً وتشريعياً متزايدًا .

رغم ذلك، ظل المجلس خاليًا من الأدوات الرقابية الكاملة، إذ لم يكن بمقدوره مساءلة الحكومة، بل اقتصر على أدوار تشريعية استشارية، مثل تقديم “طلبات مناقشة” و”اقتراحات برغبة”، كما نصت عليها المادتان 129 و130 من دستور 1971.

ومع الدساتير المتعاقبة بعد 2011، تحديدًا دستور 2012 ثم دستور 2014، تم إلغاء مجلس الشورى بالكامل ، ومع تعديلات دستور 2018، عاد المجلس إلى الساحة السياسية تحت مسمى “مجلس الشيوخ”، لكن بصلاحيات محدودة، تقل كثيرًا عن تلك التي كانت ممنوحة لمجلس الشورى.

مجلس الشيوخ الحالي يتولى إبداء الرأي فقط في عدد من الموضوعات التي يُحيلها إليه رئيس الجمهورية أو مجلس النواب، مثل: " الاقتراحات بتعديل مواد الدستور .. مشروعات الخطة العامة للتنمية .. المعاهدات المرتبطة بالسيادة أو الأمن القومي ..  ما يُحال إليه بشأن السياسة العامة، والشؤون الخارجية والعربية " . 

ولا يمتلك المجلس صلاحيات رقابية حقيقية، حيث استبعدت اللجنة التشريعية صراحةً إمكانية مساءلة الحكومة أو توجيه الأسئلة لها، مقتصرةً أدوات الرقابة على: " طلب المناقشة العامة .. الاقتراح برغبة " ، وهاتان الأداتان، وإن بدتا رقابيتين شكلاً، فإن جوهرهما أقرب إلى التشاور والمساندة دون أي سلطة إلزامية.

ورغم مطالبات البعض بإعادة النظر في اختصاصات مجلس الشيوخ ومنحه صلاحيات تشريعية ورقابية أوسع على غرار ما حدث لمجلس الشورى في 2007 فإن الرؤية الغالبة داخل المؤسسات التشريعية تميل إلى حصر دوره في “المشورة”، مستندة إلى طبيعة الدولة المصرية كنظام برلماني مختلط لا يتطلب غرفة تشريعية مزدوجة كاملة الصلاحيات.

لكن تبقى الفائدة الكبرى من مجلس الشيوخ في دوره الفكري والاستشاري، ومعاونة أجهزة الدولة في توفير الدراسات للموضوعات المطروحة أمامه وإجراء دراسات متعمقة تغطى جميع الجوانب المطلوبة وتحيط بشتى زواياها وآثارها الإيجابية وانعكاساتها السلبية، مما يُمكن الدولة من الانحياز إلى وجهة النظر التى تعززها الحقائق العلمية ، ومن ثم، فقد ذهب الأمر إلى أن يتحدد دور مجلس الشيوخ فى أخذ رأيه فى عدد من الموضوعات، على أن يكون استطلاع رأى مجلس الشيوخ على سبيل الوجوب فى بعض الحالات، وبصورة جوازية فى حالات أخرى .

 

مجلس الشيوخ، كما هو قائم حاليًا، يمثل استحقاقًا دستوريًا لا غنى عنه في بنية الدولة السياسية الحديثة، لكن تفعيل دوره بشكل حقيقي وفعّال يقتضي إعادة النظر في حدود صلاحياته التشريعية والرقابية ، فاقتصار اختصاصه على إبداء الرأي دون تأثير ملزم، وتحجيم أدواته الرقابية إلى حدود الاقتراح والمناقشة، يجعله أقرب إلى هيئة استشارية موسعة، لا إلى غرفة برلمانية قادرة على إحداث فارق تشريعي أو رقابي.

 

إن الدولة المصرية، وهي تُعيد بناء مؤسساتها في ضوء متغيرات إقليمية ودولية متسارعة، بحاجة إلى برلمان بغرفتيه يكون قادرًا على التفاعل بجدية مع تحديات المرحلة، لا سيما في الملفات الكبرى كالدستور، والخطة العامة، والسياسات الخارجية ، ولهذا، فإن تطوير مجلس الشيوخ ليقوم بدوره الدستوري بفاعلية، لا يعني بالضرورة منحه سلطات مطلقة، بل تمكينه من أدوات حقيقية تضيف قيمة نوعية للحياة التشريعية والسياسية، دون أن تكرّس ازدواجًا أو تعارضًا مع مجلس النواب.

 

وختامًا، فإن الغرفة الثانية للبرلمان ليست مجرد ديكور دستوري، بل منبر يجب أن يُستثمر في صياغة السياسات العامة، وتقديم الرؤى الاستراتيجية، ومساندة مؤسسات الدولة بخبرات نوعية عميقة وما نأمله هو ألا يكون مجلس الشيوخ نسخة باهتة من مجلس الشورى، بل كيانًا عصريًا يعكس نبض الوطن ويخدم تطلعاته .

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية