تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
150 سنة «أهرام»
فى عام 1876، لم يكن صعبا أن تصدر صحيفة فى مصر وأن يكون مؤسساها لبنانيين. كانت الصحافة المصرية تشهد فترة ازدهار حقيقية فى عهد الخديو إسماعيل. أصدر الأخوان سليم وبشارة تقلا الأهرام فى ظل تلك الأجواء. الصعب كان تصور المدى الزمنى والكيفى الذى يمكن أن تصل إليه الأهرام، فى سياق منافسة وتغيرات سياسية لم تكن سهلة على الإطلاق. فإذا بالأهرام التى بدأت أسبوعية وفى أربع صفحات، تصدر يوميا وتنتقل من الإسكندرية إلى القاهرة. وإذ بها تتحول من صحيفة لتصبح مدرسة صحفية متكاملة، تعد من أعرق مدارس الصحافة تخرج فيها رجال تدين لهم الصحافة المصرية والعربية بالعرفان. وإذ بها تتحدى الزمن بكل ما حمله من تحديات مهنية واقتصادية وسياسية لتدخل اليوم عامها المائة والخمسين. هى الصحيفة الوحيدة التى استطاعت، كما يقول الدكتور طه حسين، "أن تماشى الحياة المصرية المعاصرة، لم تتعب ولم يدركها الكلل ولا الملل، ونشأت من حولها صحف كثيرة سابقتها ما استطاعت مسابقتها، ولكن الإعياء أدركها جميعا؛ فتعثر منها ما تعثر وتخلف منها ما تخلف، وانقطع منها ما انقطع، وظلت الأهرام وحدها مجلية حتى بلغت مع الحياة المصرية المعاصرة غايتها الأولى، وهى ماضية معها إلى غاياتها التى رسمها لها الزمان وأضمرها لها الغيب". لم يكن صعبا أن توجد الأهرام بينما كان صعبا أن تصل للقمة، ولكن الأصعب والأهم أن تبقى دائما على القمة.
حمل راياتها خلال قرن ونصف قرن رؤساء تحرير لبنانيون ومصريون، ولم تتغير سياستها وخطها التحريري؛ التزاما بالدفاع عن الدولة المصرية، والتزاما بحق القراء فى معرفة الحقيقة وأبعادها المختلفة. فشكلت عقل ووجدان المصريين، وامتد تأثيرها فى فترة من تاريخها الطويل ليؤثر بشكل فاعل فى محيطها الإقليمى، بل وكواحدة من الصحف الدولية الكبرى. احتضنت خلال مسيرتها كل القامات الفكرية والثقافية فى مصر، فجميعهم مر من الأهرام أو التحق بها، وقبل ذلك تربوا على مائدة ما قدمته من إنتاج كان شعلة للتنوير والتثقيف. الإمام محمد عبده فى مقاله بالعدد الخامس من الأهرام قال عنها "يالها من جريدة أسست قواعدها فى القلوب تنادى بمقالها وحالها: حى على الفلاح وهلموا الى موارد النجاح". عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين لم يكتف كما يتصور البعض بوصفها بأنها "ديوان الحياة المعاصرة فى مصر" بل قال إنها ديوان للحياة العربية المعاصرة وذهب لأبعد من ذلك فقال إنها "ديوان للحياة الإنسانية المعاصرة، إلى أبعد حد تستطيع أن تصل إليه الصحف العالمية الكبرى".
كانت الأهرام ولا تزال وستظل الحلم الذى يتطلع إليه كل من يسعى للالتحاق ببلاط صاحبة الجلالة. الجميع يريد وصلا بالأهرام، يأنس لها؛ قارئا أو محررا أو كاتبا. كنت أحد هؤلاء الحالمين بوصال وأنس الأهرام. دخلتها قبل نحو ثلاثين عاما من بوابة الأهرام المسائى ومديرا لمكتبها فى دبى، إلى أن شرفت برئاسة تحريرها قبل عام ونصف عام. دخلت مكتب رئيس تحريرها الذى يبلغ عمره أكثر من نصف قرن، فاستنشقت فيه رائحة تاريخ مصر وصحافتها واستشعرت عظم ما أنا مقبل عليه. أن تحافظ على ما تركه عظماء الصحافة المصرية والعربية ليس بالأمر بالسهل، فى وقت بات القابض على مهنيته كالقابض على الجمر، وفى وقت تتعرض فيه الصحافة كمهنة لهجوم شرس من كل حدب وصوب إلكترونى، حتى تكاد المهنة تتوه وسط دروب الفضاء الإلكترونى الضيقة والمغرضة.
التحدى اليوم صعب بلا شك، لكن قبوله والتغلب عليه قدر تلك الجريدة الرائدة. فالتحدى الراهن ليس الأول الذى تواجهه الأهرام عبر مسيرتها ولن يكون الأخير ما دامت مصرة وقادرة على استكمال تلك المسيرة. وكما لم يكن ممكنا للأهرام أن تكسب التحدى وتبقى فتية وشامخة عبر قرن ونصف قرن من الزمن إلا بعقول وسواعد أبنائها المؤمنين بها وبما تقدمه ليس فقط للصحافة ولكن للوطن بكامله، فإننى ومن خلال إيمانى العميق برسوخ مبادئ وقيم الأهرام فى عقول وقلوب أبنائها عبر الأجيال المختلفة، على ثقة كاملة اليوم بأن الأهرام بصحفييها وكل العاملين فيها اليوم قادرون على مواصلة النجاح الذى وسم مسيرة الأهرام، فى مواجهة كل التحديات؛ لتبقى الأهرام كما أراد لها مؤسسوها- وكل مِنْ تعاقب على تولى مسئوليتها والعمل فيها بل وكل محبيها- فى المكانة التى تستحقها عنوانا للصحافة المصرية وقلبها النابض.
تحية تقدير وامتنان للأساتذة الذين تولوا رئاسة تحرير الأهرام، وتحية تقدير لكل من شارك بكلمة أو فكرة فى مسيرة الأهرام. وأخيرا تبقى التحية واجبة لقراء الأهرام الذين احتضنوها ولا يزالون، ونعاهدهم على أن نبقى على العهد الذى قطعه آباء الأهرام، بأن تبقى الأهرام لهم، ولهم فقط، ما قُدر للصحافة أن تبقى.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية