تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > حسام حافظ > الحشاشين أعاد الاعتبار للدراما التاريخية المصرية

الحشاشين أعاد الاعتبار للدراما التاريخية المصرية

يستحق مسلسل "الحشاسين" النجاح الجماهيري الكبير والحرص على مشاهدة حلقاته اليومية ، فقد أصبحت مسلسلات رمضان لها هوية وشخصية في السنوات القليلة الماضية بقيادة الشركة "المتحدة" ، ولم يعد المسلسل التاريخي بعيد المنال كما كان في الماضي ، لذلك فأن مسلسل "الحشاشين" الذي كتبه عبد الرحيم كمال وأخرجه بيتر ميمي جاء في وقته لفتح صفحات الماضي لنعرف الجذور التاريخية للتنظيمات الارهابية في المنطقة التي نعيش فيها. 

وأول مايلفت الانتباه هو الاسم الفرعي للمسلسل بعد "الحشاشين" : "أباطيل وأبطال من وحي التاريخ" ، والأباطيل جمع "باطل" وهي الصفة التي لازمت فكر هؤلاء المجرمين منذ حسن الصباح في القرن الحادي عشر وحتى حسن البنا في القرن العشرين .. وأما "الأبطال" فهم الذين يتصدون لهذا الفكر الضال ويعملون على نشر الوعي الصحيح بالدين والتاريخ الاسلامي.

وتكون البداية اليومية بالمقدمة بصوت الفنان وائل الفشني يغني من شعر عمر الخيام وترجمة أحمد رامي أبيات من رائعة أم كلثوم "رباعيات الخيام" وهو يخاطب عامة الناس قائلا : "سمعت صوتا هاتفا في السحر" "نادى من الغيب غفاة البشر" .. ثم ينصح بعدها هؤلاء الغافلين بأن ينتبهوا لجمال الحياة قبل أن ينتهي العمر، وينصحهم بالابتعاد عن القتل وكراهية الآخر وأن يعيشون من أجل السلام والمحبة ، وهي أول رسالة من رسائل المسلسل. 

يقولون أن التاريخ يعيد نفسه وما أقرب الليلة بالبارحة، وكاتب الدراما المثقف عبد الرحيم كمال يعشق التاريخ قديمه وحديثه ،والوعي بالتاريخ يفتح أبواب الفهم لوقائع الحاضر بعد أن كدنا أن نفقد مصر وهي تواجه أطماع الفئة الضالة المسماه بالأخوان ،لذلك فأن مسلسل "الحشاشين" يحكي لنا من صفحات التاريخ ماذا فعل أتباع حسن الصباح بالدولة السلجوقية بين عامي 1090 و 1124 م وكيف أيقظوا الفتنة ،وكيف شق "الصباح" الصف الوطني وأستولى على قلعة "ألموت" يعيش فيها هو وعصابته من السفاحين . 

وقد يسأل المشاهد : لماذا سميت عصابة حسن الصباح بالحشاشين؟ ويجيب المسلسل على هذا السؤال عندما قام مساعد الصباح "زيد بن سيحون" بقطف حشائش لنبات مخدر عندما يحترق تصعد منه أبخرة تذهب بعقل من يستنشقها ،وأراد الصباح الاستفادة من ذلك لأقناع المختارين من أتباعه بأنه يمتلك مفاتيح الجنة ،ويجعل الجواري الحسان يرقصن أمام التابع المختار وهو يستنشق الحشيش ،وبعد أن يذهب تأثير المخدر يعود الى طبيعته ،لكن تبقى في ذاكرته صور الجواري وهن بالملابس البيضاء مثل الحور العين في الجنة ،ويؤكد الصباح للمختار بأنه اذا قام بتنفيذ ما أراد فأنه يذهب الى الجنة الموعودة ومفتاحها مع الصباح ويعيش الى الأبد مع الحور العين ،وبهذه الحيلة نجح الصباح في قتل صديقه الوزير "نظام الملك" ودس السم في طعام السلطان "ملك شاه" وحاول قتل الامام أبو حامد الغزالي وكلها جرائم بشعة قدمها المسلسل في مشاهد درامية جذابة ،تؤكد أن الكاتب عبد الرحيم كمال والمخرج بيتر ميمي اهتما بالجودة الفنية لأحداث المسلسل ، لأن الانبهار بالوقائع التاريخية أحيانا يكون على حساب المستوى الفني للمسلسل وهذا لم يحدث في "الحشاشين". 

قام بدور حسن الصباح النجم كريم عبد العزيز الذي أصبح أداؤه في أعلى مستويات النضج في تقمص الشخصية ،وقد تدرج في الأداء من الشخص الطيب في الحلقات الأولى الى الرجل الشرير زعيم عصابة الحشاشين ،والذي يبرر جرائمه بأنه عاش حياته يحلم بالعدل لكنه تحول الى سفاح يأمر بقتل كل من يختلف معه ،وقد أعترف لعمر الخيام بأن عصابته لا تستطيع محاربة جيش الدولة السلجوقية ، لكنها تستطيع قتل شخصيات مؤثرة في تلك الدولة ،لذلك كان القتل هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق أهدافه. 
نجح المؤلف عبد الرحيم كمال في تطعيم الدراما ببعض التفاصيل والمعلومات التي تكشف عن حجم الكارثة الانسانية التي يمثلها حسن الصباح ،لأنه بعد قتل "ملك شاه" سلطان الدولة السلجوقية تولى ابنه "باركيا موك" الحكم وبدأه بالأنتقام وقتل 800 من أهالي أصفهان الذين ينتمون لطائفة الباطنيين التي كان ينتمي اليها حسن الصباح في شبابه قبل تكوين "الحشاشين" ،وهنا يشير المسلسل الى أن هؤلاء ضحايا لحسن الصباح أيضا ،بمعنى أن ضحاياه ليسوا بالضرورة الذين يأمر بقتلهم ولكن الكارثة تأتي بما يترتب على أوامر القتل. 
أعاد المخرج بيتر ميمي الأعتبار للدراما التاريخية من الانتاج المصري ،لأنه استطاع قيادة مجموعة كبيرة من المبدعين في كافة العناصر الفنية خاصة في الديكور والجرافيك والتصوير وتصميم الملابس والموسيقى ،ولم تبخل الشركة المتحدة في توفير كافة مفردات الانتاج الضخم الذي كان يقف في السابق عقبة كبرى امام تقديم الدراما التاريخية ،لذلك التحية واجبة للمنتج تامر مرسى والمشرف العام حسام شوقي ومدير التصوير حسين عسر ومصممة الملابس كريستينا أمير ومونتاج أحمد حمدي وموسيقى أمين بوحافة ومصمم المناظر أحمد فايز وصوت ومكساج طارق علوش والمهندس علمي عبد الستار. 

كان الكاتب الراحل توفيق الحكيم يكتب مسرحياته بلغة دارجة كان يطلق عليها اسم "اللغة الثالثة" بمعنى أنها لا فصحى ولا عامية ولكنها لغة "وسط" يفهمها المشاهد المصري والعربي ،وقد حرص عبد الرحيم كمال على أستخدام هذه اللغة الواضحة والتي تجعل الكلمات تتدفق بسهولة ويسر على لسان الشخصيات دون صعوبة في فهم المعنى ،فعل المؤلف ذلك وهو يهدف الى التواصل مع المشاهد سواء كان من صفوة المتعلمين أو من عامة المشاهدين ،كما حرص في بداية كل حلقة على تلخيص أحداث الحلقة السابقة حتى يربط المشاهد بين الأحداث ولا يفقد البوصلة في متابعة العدد الكبير لشخصيات المسلسل. 

بعد أن تخلص حسن الصباح من الوزير "نظام الملك" والسلطان "ملك شاه" أدرك أن الامام أبو حامد الغزالي هو أخطر أعدائه لأنه يعرف صحيح الدين ويملك من الوعي والفهم ما يجعله يكشف للعامة حقيقة ضلال الفكر الظلامي الذي يعتنقه حسن الصباح ،لذلك وقع اختياره على الشاب "منصور" من أتباعه وأخذه في جلسة "حشيش" وبعدها شاهد الجواري الحسان أو "الحور العين" يرقصن ويقدمن له اللبن والخمر وهو الآن في حضرة "حلم الجنة" ،ثم التقى بعد ذلك لأول مرة مع حسن الصباح الذي يملك مفاتيح الجنة وطلب منه الذهاب الى القدس لقتل الامام الغزالي والعودة لأصفهان ، واذا حدث له مكروه فأن الصباح نفسه سوف ينتظره على باب الجنة ويفتح له الفردوس ثوابا لقتل الامام الغزالي. 
وكان مشهد مواجهة الامام الغزالي والشاب منصور واحدا من أجمل مشاهد المسلسل كتابة واداءا ،وقام بدور الغزالي الفنان نضال الشافعي الذي أضاف مسحة صوفية على شخصية الامام الغزالي ،وتحدث الى الشاب بأسلوب العارف بنية القتل التي جاء بها اليه ، والغزالي يعرف أيضا مافعله الشاب في طريقه الى القدس مع الرجل الذي رحب به كعابر سبيل ولكن عندما علم الشاب بشك الرجل في نوايا حسن الصباح قرر قتله على الفور ،وكأن جزاء ايواء عابر السبيل هو القتل ،وذلك عكس ماتدعو اليه كل الأديان ،وكأن أتباع حسن الصباح يدينون بدين جديد لا علاقة له بالاسلام الذي يأمر بالمعروف وينصح بالدعوة الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة . 

أعتبر الامام الغزالي أن الانتماء لجماعة ضالة والأيمان بقدرات شخص واحد مثل "الصباح" "فتنة" تحول دون وصول الانسان الى الايمان بالله ،ومن يريد معرفة الله حق المعرفة لابد أن يكون "حرا" لايقع أسيرا لفكرة شريرة او لشخص مثل حسن الصباح ، والجميل أن الشاب منصور أقتنع بحكمة الامام الغزالي ورفض أن يقتله ولكن الصباح عندما علم بذلك كان له رأيا آخر وأرسل مساعده المخلص وخليفته فيما بعد "برزك أميد" لقتل الشاب منصور. 

تميز المسلسل بجودة الاداء التمثيلي لكافة الممثلين وعلى رأسهم كريم عبد العزيز في دور "حسن الصباح" وفتحي عبد الوهاب في دور "نظام الملك" وأحمد عيد في دور "زيد بن سيحون" ونيقولا معوض في دور "عمر الخيام" وميرنا نور الدين في دور "دنيا زاد" زوجة حسن الصباح والسورية سوزان نجم الدين في دور قائدة الجواري "ألينار" وسارة الشامي في دور "نورهان" وسامي الشيخ في دور "برزك أميد" خليفة الصباح.

 

  •  

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية